الأدب الصهيوني والنزعات العدوانية1/2
يعتبر الأدب منتوجاً إنسانياً تخيلياً، أساسه اللغة، فهو بالضرورة يغير ويرسم شروطاً لنظرتنا إلى العالم، ويعتبر مسؤولاً عن مزاجية الأمة وتشكيلها الفكري والايديولوجي، إلا في حالة الأدب الصهيوني، حيث كان دوره الأساسي يقوم على تشويه عقلية ونفسية متلقيه، وتشتيت المفاهيم وزرع النزعات العدوانية والإجرامية الموجهة لكل ما هو ليس من نفس العرق والأثنية.
لم تشفع الفنيات العالية إن وجدت بهذه الأفكار التي تمثل الحركة الصهيونية بكل وضوح للعمل الأدبي، ولم يستطع المروجون لتلك المبادئ التي رسمتها الحركة الصهيونية الخروج من بوتقة الدعاية إلى تحقيق غاياتهم بأي وسيلة، تلك الغايات انعكست بشكل واضح على ما يسمى بالأدب الصهيوني، من حيث إثارة الغرائز العدوانية والتقليل من تأثيرات التراث الإنساني والقدرات الإنسانية من جهة أخرى، لتساهم في تعزيز العدوانية والحقد بعد الأنانية في الشخصية الصهيونية، لتنتج شخصية لا تكترث بالآلام وفاقدة للإحساس بإنسانيتها أصلاً فكيف بإنسانية الآخرين، شخصية نرجسية ونيتشوية الفلسفة والرؤيا، وهذا ما يؤكده الصهيوني إسحاق شاليف حيث قال: «علينا أن نعلم الشباب على أساس أرض إسرائيل الكاملة، وهذا الأمر لا بد أن يتم بواسطة الأدباء، في رياض الأطفال والمدارس وحركة الشباب والجندي والقائد في الجيش»، ويقول الشاعر الصهيوني يهودا عميحاي: «في بلادنا لا يمكن إلا أن نكتب الشعر السياسي، شعر الحب عندنا أيضا شعر سياسي»، إن أدباء كهؤلاء، لا يمكن أن يترجموا إحساسهم إلا بما زج في نفوسهم صغارا وشبوا عليه فتيانا ومارسوه كبارا.
ومنذ بداية الحركة الصهيونية وارتبط تشكل ما يسمى الأدب الصهيوني بالفكر الإيديولوجي عقب ظهور البروتستانتية في أوربا في القرن السادس عشر، وسهلت الانطلاق من التراث اليهودي القديم من خلال الكتاب المقدس على اعتبار أن التوراة هي الجزء الأول والمهم منه، ليحمل هذا النتاج السمة الدينية، وتهيمن عليه الأفكار التوراتية، متحججين أن الجذور التاريخية والثقافية والجغرافية لا يمكن وحدها أن تنظم العمل الأدبي، فكان العهد القديم ملهماً أساسياً لهذا الأدب، ولا يمكن أن نغفل دور التلمود الذي ينقسم إلى قسمين: الكتابات القادمة من الأندلس مثل دليل الحيارى، وكتب المتصوفين اليهود «الحسيديم»، والقسم الثاني وهو الأدب اليهودي القديم، وهذه المصادر تبقى مصادر لا يمكن أن تخلق أدباً كونها تغفل جانباً هاماً من جوانب الأدب وهو عنصر اللغة، الذي يميز أدب مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى.
ويرتبط ما يسمى الأدب الصهيوني بالحالة الدعائية، أي أنه يكتب كي ينشر في الصحف ويصف اتجاهاً عقائدياً كما كان الأدب الرأسمالي والأدب الاشتراكي، ومن أوائل من كتبوا هذا النوع من النتاج، كان المبشر بالفكر الصهيوني الروائي الإنكليزي جورج إليوت في روايته «دايال ديرواند»، حيث نظر لفكرة أنه من الممكن أن يكون هناك أدب صهيوني فرنسي وروسي بالإضافة للعبري، على اعتبار أن مصطلح الأدب العبري هو أحد أقسام التصنيف ذاك الأدب، والأدب العبري يندرج ضمن مصطلحات بالإضافة له تشمل الأدب اليهودي والأدب الصهيوني والأدب الإسرائيلي والأدب اليديشي، وتم تقسيم تلك المصطلحات ضمن فترات زمنية ومدلولات لغوية. ويعد ما يسمى بـ«الأدب الإسرائيلي» رديفاً للأدب العبري المعاصر، وهو الأدب الذي كتب بعد احتلال فلسطين في عام 1948، ويعتبره النقاد أدباًً «يهودياً» على اعتبار أن جميع من كتبوا هذا الأدب هم يهود، وأدباً صهيونياً على اعتبار أن جميع من كتبوا بهذا المضمار كانوا يسوقون ويروجون للأفكار الصهيونية، وبالحدود الجغرافية حصر في حدود فلسطين المحتلة، ولكن هذا لم يمنعهم من اعتبار أي كاتب يهودي ضمن تصنيفهم، فمثلاً يائيل دايان وهي ابنة الإرهابي موشيه دايان، تصنف في الكيان الإسرائيلي على أنها من رواد الأدب الصهيوني ضمن اعتبارات ثلاثة، وهي أنها يهودية و«إسرائيلية» وتؤمن و تنظر للفكر الصهيوني، مع أنها تكتب بالإنكليزية.
والأدب اليديشي هو المكتوب باللغة التي يتكلمها يهود ألمانيا وتعني بالألمانية «يهودي»، وهي خليط من اللغة الألمانية في العصور الوسطى وبعض الكلمات العبرية التي ظهرت في القرن الخامس عشر، واستخدمت في أوروبا الشرقية وروسيا وبولندا، واعتمدت كلغة للكتابة الأدبية على اعتبار أنها لغة حية، ويستخدمها الكثير من يهود اليديشي، وأهم روادها كان شالوم عليخيم، ومندلي موخير سفاريم، بعكس ما ميز الأدب العبري الذي كان يعتمد الانتماء اللغوي للعمل الأدبي، ليغطي على الانتماء الحضاري والقومي، فكانت الستينيات من القرن الماضي هي التصنيف الأدبي الذي يعبر عن الجيل الذي ولد في فلسطين المحتلة، ضمن قوالب أدبية بدأت تعالج مشاكلهم الحياتية من استيطان والعراقيل الاقتصادية التي تواجه الصهيوني المحتل لفلسطين، وبدأ هذا التنوع الأدبي الانتشار مع ظهور الهاسكالاه اليهودية، وتعني المعارف التي يكتسبها الإنسان بدراسته، وهي مأخوذة من اللفظ العبري «سيخل»، وأطلق هذا المصطلح على حركة التنوير التي نشأت بين اليهود في ألمانيا – متأثرة بحركة التنوير الأوربية – ثم انتقلت إلى سائر أوساط اليهود في أوربا الوسطى والشرقية، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر أصبحت حركة اجتماعية ثقافية بين اليهود في أوربا، ولا يقتصر مصطلح (الهاسكالاه) على كونها حركة تنوير فقط، بل يعني كذلك حقبة في تاريخ اليهود في العصر الحديث امتدت على مدى قرن من الزمان أو أكثر.