وحيداً.. دون مظلة
دولارات مزورة في الأسواق السورية، ومياه نبع عين الفيجة مسممة، وتعويم لليرة السورية، ومن ثم نفي رسمي لتعويمها.. هكذا وبكل بساطة يقع السوريون ضحايا العبث بأمنهم الاقتصادي والاجتماعي، والفاعلون جهتان منتفع، وغير مهتم.
وحيداً دون مظلة يهرع السوري إلى أقرب فرن خبز مستعيناً بالتعاويذ على إيجاد ما يسد البطون ليوم واحد، وجاره العارف بالخبايا يطالعه بأخبار تتعلق بفقدان المادة أو زيادة سعرها، وهنا تتراكض الحلول في رأسه فيتذكر أن أمه قالت له ذات مرة إنها اشترت كيساً من الطحين أطعمهم شهراً كاملاً في حرب تشرين.
اليوم ومن الصباح الباكر بدأ المواطنون يرسلون عبر أجهزتهم الخليوية رسائل عن تلوث مياه الفيجة من منبعها، ودعوات لإغلاق عدادات المياه، والامتناع عن شربها مباشرة، ولكن قدر أن تحركت مؤسسة المياه ونفت صحة الشائعة، ولكن الوقت الذي سبق هذا الإعلان قضاه المواطن في تلمس بطنه إن انتفخ، وتأمل شفتيه إن أصابهما الجفاف والازرقاق.
سوق الليرة والدولار صراع اقتصادي يجري على هامش المعركة التي تدور من صباح اليوم إلى آخره حيث تتقافز الليرة أمام الدولار في بيع وشراء، وخسارات بمئات الألوف، وأرباح بقدرها ريثما تتوقف عدادات الارتفاع والهبوط على رقم يعلق لعدة أيام، وفي الوقت نفسه تصريحات متضاربة عن تعويم لليرة ونفي الخطوة..وهنا المواطن فقط يهتم لحديث الفوّال يوم الجمعة عن ارتفاع أسعار المسبحة والفلافل بسبب ارتفاع الدولار.
بعض المواقع الالكترونية هنا روجت لاحتمال رفع أسعار المازوت مجدداً، وهذا ما حدا بالمواطنين إلى العودة إلى طوابيرهم سريعاً، وهذا ما يفسر عدم انتهاء الأزمة رغم دخول الشتاء شهره الثالث، وبالمقابل وزارة النفط لم تعلق على الحديث الذي يتهمها ويتهم أروقتها بأن رائحة رفع الأسعار تفوح من بين جنباتها.
منذ بداية الأسبوع يعود الطلاب إلى البيوت بجلاءاتهم الفصلية دون ابتسامة فرح،.. قالت طالبة لأمها إن المديرة صاحت بوجوه كل بنات الصف: أنتن كسالى!! لم يحصل في مدرستي أن وُجد هذا المستوى المتدني من العلامات..، وتتابع الطالبة: المديرة يا أمي لا تعيش هنا.
يجري هذا في الحقل التربوي الذي يجب أن يجيد الحوار مع أبنائه، وتم رفده بجحافل من المرشدين النفسيين الذين من المفترض أنهم استطاعوا أن يلموا ما تبقى من بنية أطفالنا الذين تأكلهم الأخبار، ويفتك بهم الخوف، وأما ما في مدارسنا أن هؤلاء لا يجيدون سوى ممارسة الدوام كموظفين ينتظرون أجورهم في نهاية كل شهر.
أما وزارة التربية فلا أعرف بالضبط كيف تعاملت مع الواقع التعليمي غير تأجيل الامتحانات، وهل يفكر جهابذتها بخطة لإعادة التوازن إلى مئات آلاف الطلبة المنهكين نفسياً وروحياً، وكيف ستعيد ترتيب أرواحهم الصغيرة على إيقاع الطفولة، وهل تكفي الدعوات لعقد اجتماعات أولياء الأمور لإبراء جروح في قلوب غضة لا تجدي معها الكلمات فقط.
وفي المستوى الأعلى تجد الحكومة نفسها في موقع لا يسمح لها إلا وأن تدعو وزاراتها إلى شد الأحزمة، وفي آخر رسالاتها لطمأنة المواطنين أنها تتابع بشكل يومي ومباشر كل القضايا المرتبطة بالحاجات اليومية من خلال إعطاء القطاعات الخدمية والاقتصادية الأولوية في هذه المرحلة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، وطلبت من وزارة الاقتصاد ضبط الأسعار، ومنع بعض التجار من استغلال هذه الظروف من خلال زيادة الأسعار، وتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين.
دون مظلة وحيداً في صراعه من أجل الحياة في ظروف استثنائية يعيشها المواطن السوري على أمل أن لا يقع بين تاجر أزمات ينتظر أي حال لينتهزه، ومجرد تصريحات مسؤولة في الغالب تأتي متأخرة.