!من تحت يا خالتي
حسني هلال حسني هلال

!من تحت يا خالتي

من تحت يا خالتي...  لا... من فوق يا خالتي...

صحيح يا خالتي إنت أستاذ وشبّ يخزي العين بس لا تواخذني، أني أكبر منك وسامعه وشايفي ومجربي أكثر. من تحت يا خالتي من تحت!

يا خالتي إنتي كبيرة السن والقدر. ومعاشره ومجربي، على عيني ورأسي.. لكن يمكن أني واللي مثلي، ساعدتنا الظروف، من قراءة ودرس وسفر وبحث بالفيسبوك، واستفدنا من تجاربنا وتجوالنا ومعارفنا. إضافة لاستفادتنا من تجارب ومعارف غيرنا.. من فوق يا خالتي من فوق!

على الرغم من فظاعة الملح على الجرح، والنقد على الفقد الذي يكتنف بلدنا سورية في هذه الفترة الغائمة الداكنة والحزينة من تاريخنا، وطناً ومواطناً.. من تضارب وتبادل وتجاذب الأخبار والأفكار والشعارات والشتائم والقذائف والمواقع والتهم، من أطراف الأزمة كافة. وعلى الرغم من تقاطع المصالح (داخلاً وخارجاً) فوق رؤوس شعبنا وعلى حساب أمننا فلا فائدة من إنكار فضولي، لمعرفة مأتى الـ «من تحت» و«ومن فوق» في الحوار السابق، بين المرأة والشاب الجالسين على المقعد أمامي، في الحافلة التي أقلتنا صباح اليوم إلى دمشق.

كان الفساد، هو موضوع الحوار بين المرأة، التي تنم لهجتها عن قوة الشكيمة والاعتناء بالشأن العام. والشاب الذي لا يخفي اعتداده بنفسه ووثوقه بمعلوماته. مع أنهما قد اتفقا على أن الفساد، هو الأب الروحي لسائر الأمراض والأوبئة التي تفتك بالبلاد والعباد. لكنهما اختلفا حول تحديد منبع الفساد وأساسه، وكان كل منهما يستند بدفاعه عن وجهة نظره، إلى مواقف ومبادئ ووقائع:

المرأة، ترى أن الفساد عندنا ــ أصلاً وفصلاً ــ طالع (من تحت) وتعني من عقد ضعاف النفوس وقليلي الضمير من البشر. الذين تقودهم مصالحهم الخاصة وتغويهم غرائزهم إلى إهمال عملهم الوظيفي والتفريط بالمصلحة العامة. وتأكيداً لرأيها تقدم أمثلة حية من مجال عملها (في ديوان أحد المشافي الحكومية في البلد): أمين المستودع، الذي بنى فيلا على طريق «قنوات»، واشترى سيارة دفع رباعي، وفتح سوبر ماركت بساحة المزرعة... الممرضة، التي تذهب إلى عملها بالمشفى، كأنها ذاهبة إلى عرس... والآذن، الذي يتكفل بمنح موافقات على إجراء عمليات، وتقديم وتأخير مواعيد عمليات. وكل ما يدخل في صلاحيات غيره من شؤون المشفى، عدا ما يخص العمل السياسي المناط به.

ويرى الشاب، أن الأسباب الرئيسة والدوافع الأولى، التي تهيئ البيئة الخصبة، لانتشار الفساد والإفساد واستفحالهما ولتكاثر الفاسدين والمفسدين وتسيدهم. هي من دون أدنى شك نازلة (من فوق) ويقصد: من السادة شاغلي المناصب العليا وممسكي المفاصل الحساسة في الدولة والمجتمع. مستخلصاً رأيه من أمثلة المرأة عينها.

فمدير الصحة الفاسد ــ حسبما يقول الشاب ــ هو المسؤول الأول مع أعوانه ومساعديه، عن الإهمالات والارتكابات ــ بل والجرائم أحياناً ــ التي قد تبدأ من «سيادته» بالذات ولا تنتهي بأمثاله، من الأطباء والممرضين وسواهم.

لأن ذلك المدير ليس همه، ولا هدفه، ولا حتى من مصلحته (كما ليس بمقدوره لو فرضنا جدلاً أنه أراد) مكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين، وبناءً عليه يصل الأستاذ الشاب إلى نتيجة مفادها: أن المدير الفاسد المذكور يفسد كامل مديريته وما يتصل بها من إدارات. أما إذا ما كان الفاسد وزيراً فسوف يعم الفساد بفضله سائر مرافق الدولة ومؤسساتها التابعة لوزارته وهلمجرا.. فكلما شغل الفاسد موقعاً ومنصباً أهم، كان وباء الفساد والإفساد أشرس وأخطر وأعم!

آخر تعديل على السبت, 09 كانون2/يناير 2016 20:41