الـعلَـم.. عصورنا بالألوان فماذا عنا؟

الـعلَـم.. عصورنا بالألوان فماذا عنا؟

تنص المادة السادسة من الدستور: يتألف علم الجمهورية العربية السورية من ثلاثة ألوان: الأحمر والأبيض والأسود، وفيه نجمتان كل منهما ذات خمس شعب لونها أخضر، ويكون العلم مستطيل الشكل، عرضه ثلثا طوله، يتكون من ثلاثة مستطيلات متساوية الأبعاد بطول العلم، أعلاها باللون الأحمر، وأوسطها باللون الأبيض، وأدناها باللون الأسود، وتتوسط النجمتان المستطيل الأبيض.

 

 

كان الأستاذ يتوسط الصف، ويقف على تلك المصطبة الرخامية التي تجعله إماماً، وبصوت واحد نردد خلفه معاني ودلالات العلم الوطني: الأحمر دم الشهداء، والأخضر العصر الراشدي، والأسود العصر العباسي، والأبيض العصر الأموي.

الآن أنكأ ذاكرة أبنائي ورفاقهم، ولا أجد العصور والتاريخ، ولا المذابح، ولا التسامح، ولا الفتوحات ترفرف على إيقاع النشيد، فأنا هكذا كنت أعتقد أن الألوان تاريخنا الذي نقف أمامه باستعداد، ونقدم له التحية إجلالاً، وأن الهواء إذ يهز القماش الملون يشبه ضربات على الذاكرة والتاريخ.

ومع كل هذا التاريخ العظيم كنت أسأل في نفسي وماذا عن بقية العصور الغابرة.. ألسنا نحن أحفاد داحس والغبراء، وبقايا المقتلين على آلهة التمر، والأصنام، والغزوات، والرمل المقدس، وأجد من الجواب بعضه بالتأكيد كانت لهم راياتهم، ودون عناء البحث عن صورها ستكون مطلية بالسواد، وبعض البياض على أطرافها، وتتوسطها أسماء القبائل والعشائر، وربما تجود الصورة الميتافيزيقية بلوحة مطرزة لحصان وفارس في الهواء.

وفي العصور التي تلت امتداد الدولة وقوتها طغت ألوان الأقوياء في لحظة سواد سادها، وهم من أبدعوا في رسم المؤامرات، ودس السموم والفتن، وسرد حكايات الوطء والغرام، وتسمية الليالي الماجنة، ووصفات العجز الجنسي.. ومن ثم ذبحوا أفذاذهم.

أسأل كنت.. لماذا لم تكن لهؤلاء رايات، أو على الأقل بعض راية، ولماذا وصلتنا الألوان بريئة من الدم والمؤامرات، وها نحن نمرر ببطء تاريخها المدرسي أمامنا، لا شيء سوى العدل، والسيوف التي تفتح القلوب، والحكمة، والعلماء، والموسيقا، والحدائق الغناء مع صغار عذراوات، والشعر ديوانها، وأمم تعبر إلى الأمة العظيمة بعناق إنساني.

ها أنذا أقف أمامه.. سلام خذ، لا أتردد في رأس مرفوع، وصدر مملوء بالأوكسجين، وصباحات نشوة الانتماء، وغرور القادم من تاريخ لآخر، ولا أنحني لتساؤلات الوسواس في قلبي وعقلي، والأمم كلها تغفر بعض الخطايا، ولا تتذكر من تاريخها إلا الانتصارات، وتسقط خيباتها من كتب المدرسة، وتترك لأبنائها حرية البحث عندما يكبرون عن انتكاساتها التي  ستصير فيما بعد انتكاساتهم.

سلام خذ.. أحبه وأحب خواطري وهواجسي الطفولية حوله، ولكنني لا أجد مفراً من الأسئلة المحرجة عن التاريخ الذي يصبغه بألوانه الحالية، ومشكلتي ليست مع اللون لكن مع ما توحي به.

إلى العلم.. سلام خذ.. السؤال الذي ينضم إلى قافلة الأسئلة المحرجة ماذا عن عصرنا، وكيف سنضع بعضاً منه على القماش المقدس، وما اللون الذي يستحقه هذا العصر الذي يكرر الدسائس والفتن بالنكهة نفسها.

آخر تعديل على السبت, 09 كانون2/يناير 2016 20:44