الكاريكاتير السياسي.. تاريخ طويل وضربات أقوى من السيف!
يمكن لرسم هزلي cartoon سياسي ذكي أن يلخّص حماقات اليوم (أو العصر) بدقة سريعة الإضاءة غير متيسّرة حتى لأكثر كتّاب الافتتاحيات اقتصاداً، وفقاً لما تقول آن لاندي في عرضها هذا. فالرسام الساخر تحت أمرته مخزون كامل للسخرية أو الهجاء: المبالغة، بالونات الكلام، و أدوات المُخطِّط الاعتيادي للخط، والظل، وحتى اللون.
وكما يتبيّن من معرض «مزاح غير محدود : الكاريكاتير والهجاء الساخر من ليوناردو إلى ليفين» الذي أقيم مؤخراً في المتحف المتروبولي للفن في نيويورك، فإن الأعمال الفكاهية أو القاسية على الورق، مثل أعمال غويا أو دومييه، يمكنها أن تصل إلى مستوى من الفنية تتجاوز معظم الرسوم الهزلية السياسية المنشورة على صفحات الجرائد.
والكاريكاتير، المبالغة في المعالم والملامح إلى حد التأثير المضحك في الغالب، يعود بتاريخه إلى أزمان قديمة، لكن رسوم ليوناردو لرؤوس غريبة صغيرة كما يبدو هي التي مثّلت السابقة الأكثر أهميةً، حتى وإن كان قصده عمل دراسات للحالات المتطرفة في الطبيعة، وليس للسخرية أو المحاكاة التهكمية. وتأتي هذه الكلمة من carico كاريكو و كاريكير caricare الإيطاليتين، وتعنيان، على التوالي، «حمولة» و«يبالغ»، وكان أفراد أسرة كاراتشي في القرن 16 في بولونيا أول مَن استعمل المصطلح لتخطيط رسوم رؤوس بشرية غريبة. وقد مهّدوا الطريق للفنانين الذي «رأوا أن أشياءً منتقاة يمكن تشويهها أو تحريفها من دون حجب هوية الموضوع»، وفقاً لكونستانس ماكفي، الأمينة المساعدة للمتحف في مقالتها التقديمية في الكاتالوك المتعلق بالمعرض.
وفي أوروبا الشمالية، توسَّع بوش وبيتر بروجيل على الممارسة القروسطية لزخرفة حواشي المخطوطات بالأشياء المضحكة والمخلوقات الغريبة الشكل، فراحوا يملأون لوحاتهم بأشكال الحياة الهجينة التي ما تزال تُجفل وتوحي في وقتنا الحاضر.
لقد ظهرت الحيوانات، خاصةً الطيور والقرود، في الأعمال الهجائية منذ القرون الوسطى، لتبرهن الأخيرة على البراعة بوجه خاص في «تقليد» الجوانب البهيمية للسلوك البشري. ويتضمن معرض المتحف الآنف الذكر رسماً خشبياً من القرن 16 لنيكولا بولدريني يسخر فيه من جماعة الليَوكَوين Laocoön، فن النحت الهيليني (الإغريقي القديم) الشهير، مُظهراً الرؤساء أو المديرين كقرود مجدولة أكثر من كونهم بشراً. والهدف الأصلي، وقد يكون نظرية غامضة في التشريح، مفقود في أدغال الزمن، لكن هجائية التحفة الفنية الموقرة ما تزال مضحكةً بشكل خبيث.
في عام 1827، أنتج النقّاش البريطاني توماس لاندسير مجموعة من 24 مطبوعة غرائب سلوك القردة ليسخر من الحماقة البشرية، بينما أنجز فنان فرنسي مجهول الاسم في الفترة نفسها تقريباً شكلاً مفزعاً لقرد ضخم يمسك بشكلين بشريين من يديهما. وفي عام 1812، راح الهجّاء الاجتماعي البريطاني جورج كروكشانك ينادي فريقاً من الحيوانات البحرية للسخرية من الزيادات المفرطة السيئة الصيت في وزن الأمير ريجنت، الملك المستقبلي جورج الرابع، مُظهراً الأمير نفسه بشكل مخلوق يشبه الحوت العملاق وأحدث عشيقة له بشكل حورية ماء. كما أن الحشرات مصادر لا تقاوَم لرسم الكاريكاتير: فهناك رسم من عام 1808 لتوماس رولاندسون يُظهر نابليون كعنكبوت بدين واقع في شبكته؛ وطبعة حجرية لهنري لويس ستيفنس يحوّل فيها ب. ت. بارنَم، الذي كان يحب وصف نفسه بأمير الخداع، إلى وجه مبتسم باعتداد مضاف إلى خنفساء ذات سيقان ست.
ومع أن السياق و الإيحاء السياسي بالنسبة لكثير من هذه الأعمال غامض لنا اليوم، فما يزال البعض منها ينطق بوضوح عبر القرون، كاستخدام النقّاش الهجائي الانكليزي الشهير لمصطلحات العمارة الكلاسيكية بالنسبة لتعنيفات الرجال من أجل التعبير عن الانقسامات الطبقية.
وبالنسبة لكثيرين، فإن أعظم مناشدة للمعرض الآنف الذكر يمكن أن تكمن في الكاريكاتيرات الأكثر قرباً من زمننا هذا. فقد التقط الراحل ديفيد ليفين كليس أولينبيرغ كتقريب لأحد منحوتات الفنان الشعبي، «تواليت ناعم Soft Toilet لعام 1966» مردّداً صدى المقالة النقدية التي كان يرسم صورة تعبيرية لها. وصوّر رسام الكاريكاتير الهولندي الساخر سيغفريد وولدهيك تضخيماً على نحو وحشي لنائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني وهو يهمس خلف ستارة في أذن جورج بوش المحدّق بنظره. وحوَّر أينريك تشاغوَيا رسماً مطبوعاً للفنان كروكشانك من عام 1819 ليُظهر الرئيس أوباما محاصراً بأرواح شريرة في وقت يكافح فيه لتمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية. وهذه الكائنات الصغيرة الشريرة، التي تمثّل وسائل الإعلام المحافظ والسياسيين الجمهوريين، تنفخ ببوق في أذنه و تنزل على رأسه بمطارق وأدوات أخرى بينما أوباما يمسك باسترخاء بقنينة دواء.
وفي وقت تحرز فيه الرسوم الساخرة الناقدة للسياسات المعاصرة قوةً كافية حتى لاستدعاء التهديدات بالموت، فإن معرض «مزاح غير محدود» هذا حدثٌ يذكّرنا بأن التهجمات البصرية تمتلك تاريخاً حيوياً و طويلاً وأنه ما من شخصية عامة في مأمن أبداً من عين فنان الكاريكاتير الراصدة. والقلم يمكنه على الدوام أن يبرهن على أنه أقوى من السيف، بأكثر من طريقة واحدة.
■ عن / Artnews