«إذا لم أكن أحبك؟..»
تتميز قصائد الشاعرة سيلفا كابوتيكيان (1919-2006) المولودة في أرمينيا السوفيتية، بشفافية عالية، تنم عن حساسية مرهفة، وإبداع تصويري وخيال خصب متجدد، وهي شاعرة رقيقة نذرت نفسها لما أحبته و أبدعت فيه و صدّرت صورته المشرقة لأنحاء الأرض ألا وهو «الشعر الأرمني».
بدأت كابوتيكيان الكتابة في سن الثالثة عشر. ونشر أول كتاب لها عام 1945، وبعد ذلك ألفت أكثر من 60 كتاباً ترجم العديد منها إلى اللغات الروسية والأوكرانية والآذربيجانية والانكليزية والفرنسية والبلغارية والعربية وغيرها. تقول كابوتيكيان عن نفسها: «في بلدي أرمينيا السوفيتية، تعلمت اللغتين الأرمنية والروسية». تحب كابوتيكان من الشعراء «بلوك ولوركا»، كما تقول عن نفسها، وتؤكد في أحد لقاءاتها الصحفية: «أنها تنحني أمام عبقرية ماياكوفسكي الذي غنى للاشتراكية»، كما تؤكد على تأثير الأدبين العربي والأرمني عليها.
«ماتزال على الطريق»
كانت كابوتيكيان نائبة رئيس لجنة الصداقة الأرمنية العربية، ومن الأوائل الذين عملوا على تشجيع حركة ترجمة الأدب الأرمني إلى اللغة العربية وبالعكس، ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الأرمنية، على شكل مختارات دورية، بالإضافة إلى بث إذاعي باللغة العربية من العاصمة الأرمنية «يريفان»، وكانت التأثيرات الثقافية العربية في أرمينيا، منتصف القرن الماضي، تأتي في الدرجة الثانية بعد تأثيرات الثقافة الروسية حسب ما تؤكده كابوتيكيان نفسها، وقد علقت على ذلك بقولها: «لدينا الكثير من الاختصاصيين والناس العاديين الذين يعرفون العربية وأرجو أن يساعد ذلك في تعريف الأدب الأرمني إلى العرب وتعريف الأدب العربي إلى الأرمن بصورة أوسع وأشمل».
وحصلت كابوتيكيان التي تعتبر من أبرز ممثلي الواقعية الاشتراكية في الأدب الأرمني في القرن العشرين، على العديد من الجوائز من أهمها: جائزة «ستالين» عام 1952 ووسام ثورة أكتوبر وجائزة الدولة في أرمينيا ووسام العلم الأحمر ووسام الصداقة بين الشعوب، والأهم بينها حسب ما تراه الشاعرة هو حصولها على وسام الشجاعة أثناء الحرب الوطنية العظمى ضد الفاشية.
أصبحت عضوة في اتحاد كتاب أرمينيا منذ 1941، وتركت مجموعات شعرية عديدة منها: «في تلك الأيام، عائلتي، في عمق الجبال، موسكو، قوافل ما تزال على الطريق.. الخ» بالإضافة إلى مجموعات شعرية حول الأرمن في الشتات والمهجر وقصائد عن المرأة.
تصنف كابوتيكيان الشعر الذي تكتبه قائلة: «أنه شعر غنائي، موضوعي هو الحب في مفهومه الشامل، حب الوطن والحبيب والولد، إن حب الوطن يزداد مع السنين، فبعد أن يكون حب الحبيب مالكاً على المرء كيانه، يتخلى مع السنين عن مكانه الأول لحب أشمل أو بالأحرى يجد له تعبيراً أشمل وأعم إنسانية».
«من وحي دمشق»
ترجمت قصائدها إلى عدد كبير من اللغات، وقد زارت مرات عدة بعض العواصم العربية، للتعريف بالأدب الأرمني ضمن مشروع نقله إلى العربية وبالعكس، كما زارت سورية عدة مرات، أقامت خلالها أمسيات ثقافية في دمشق وحلب واللاذقية، واطلعت على حياة الأرمن في سورية، وزارت مؤسساتهم الثقافية وألقت عشرات القصائد في مختلف المناسبات.
وعن زيارتها لدمشق عام 1964كتبت كابوتيكيان: « لقد ألهمتني هذه الزيارة لكتابة الكثير وأنا سعيدة بذلك»، وقبلها في عام 1958 كتبت قصيدتها التي تحمل عنوان «ذكريات» للاحتفال بيوبيل قصائدها الفضي «من وحي دمشق» وأهدتها إلى القراء السوريين.
تتساءل كابوتيكيان في هذه القصيدة: «ماذا قدمت؟ وماذا تركت؟ وهل تكفي السطور التي قدمتها من نبضات قلبي؟ أ تكفي حياة تمر دون حرمان دون تضحية؟»
وتتذكر كيف بدأت تكتب قصائدها الأولى التي تحكي معاناة شعبها والمآسي التي لحقت به، و«هؤلاء الشعراء الأرمن المجهولين المغتربين تحت السماء، الذين ذابوا كما تذوب الشمعة احترقوا، واضمحلوا، ماتوا جياعاً دون خبز، سحلوا في السجون والزنازين وفي شعاب ماسيس والصحاري».
وتقول في مقطع من القصيدة: «أنا شاعرة أرمنية ينتشر الأريج من نشيدي ولكنني لم أقدم لشعبي سوى القليل» وكانت تكرر هذا المقطع في كل تكريم أو احتفال.
أغنيات للحب!
اهتم الكثير من فناني أرمينيا بقصائدها ولحنوا كلماتها وحولوها إلى أغانٍ خالدة من أغنيات الحب التي تقول في بعضها:
«إذا لم أكن أحبك؟ /فِلمَ الشتاء يشبه الربيع إذاً/ ولِمَ شمس الشتاء تشرق بحرارة /ولِمَ السماء المكفهرة تصبح صافية / إذا لم تكن تحبني؟/ فلم تختلف الأمور في شارعك/ المارة والبيوت / الثلج والدروب».
«في مزهريتك الكريستالية الفخمة/ زهور قدمتها لك بكل الحب/ بقيت في النهاية بلا ماء لأيام/ فذوت بتلاتها واحدة تلو الأخرى/ وسقطت كدموعي بخزي/ على زجاج مكتبك البارد».
«إذا لم تكن تحبني وإذا لم أكن أحبك؟/ فلِمَ يصبح العالم رقيقاً.
عندما تنفث دخان سيجارتك/ يبدو دائماً أن جمرة نارها/ تحمل شيئاً مني/ من ذاتي المحترقة».