«طلعت.. يا محلا نورها»
نور حسن نور حسن

«طلعت.. يا محلا نورها»

في 10 أيلول تمر الذكرى 92 لوفاة فنان الشعب، المسرحي والموسيقي والملحن  السيد درويش البحر، المعروف بـ«سيد درويش». 

ولد سيد درويش في الإسكندرية في آذارعام 1892، بدأ ينشد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري. التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905. اضطر في بداية حياته أن يشتغل عامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مثيراً إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن حينها، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به سيد درويش، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908. والتحق بفرقتهما.. تتلمذ في حلب على الشيخ عثمان الموصلي العراقي، وتأثر به وحفظ عنه التواشيح، فكانت أغنية «زوروني كل سنة مرة» وأغنية «طلعت يا محلا نورها».

عاد إلى الشام في عام 1912 وبقي هناك حتى عام 1914 حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تتفجر، ولحن أول أدواره «يا فؤادي ليه بتعشق». في عام 1917 انتقل سيد درويش إلى القاهرة، ورسم لنفسه خطاً جديداً في ميدانه الغنائي والمسرحي، ومنذ ذلك سطع نجمه وصار إنتاجه غزيراً، فقام بالتلحين للفرق المسرحية كافة في عماد الدين أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، حتى قامت ثورة 1919 فغنى «قوم يا مصري».

أدخل سيد درويش في الموسيقى للمرة الأولى في مصر الغناء البوليفوني في أوبريت العشرة الطيبة وأوبريت شهرزاد والبروكة. ويقول درويش: «إن الموسيقى لغة عالمية، ونحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية يجب أن يستمع الرجل اليوناني والرجل الفرنسي والرجل الذي يعيش في غابات أواسط إفريقيا إلى أي موسيقى، فيفهم الموضوع الموسيقي ويتصور معانيه ويدرك ألغازه، لذلك فقد قررت أن ألحن البروكة على هذا الأساس وسأعطيها الجو الذي يناسب وضعها والذي رسمه لها المؤلف سأضع لها موسيقى يفهمها العالم كله».

تلمس حياة الناس الذين كان يعيش بينهم، وأدرك همومهم وقضاياهم، وشارك في الهم الوطني العام، فكانت أغانيه الوطنية التي رددها الشعب بكل حواسه وقلبه ومشاعره.  فقد أنشد مرة في جماعة من المتظاهرين ضد الاحتلال الإنكليزي نشيداً محمساً إياهم قائلاً: «دقت طبول الحرب يا خيالة /وآدي الساعة دي ساعة الرجالة/ انظروا لأهلكم نظرة وداع/ نظرة ما فيش بعدها إلا الدفاع»، وعالج درويش في أغانيه الحالة الاجتماعية ووضع الناس المعيشي، غلاء المعيشة والسوق السوداء فقال: «استعجبوا يا أفندية/ ليتر الكاز بروبية»!

بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار وأربعين موشحا ومائة طقطوقة و 30 رواية مسرحية وأوبريت.

انتهت حياته في 10 أيلول من عام 1923 وله من العمر إحدى وثلاثون سنة فقط قدم في حياته القصيرة إنتاجاً غزيراً وألحاناً هامة ظلت في وجدان الناس، وجددت الروح في الطابع الأصيل للمزاج المصري. وما زال النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي» الذي لحنه في مطلع القرن 20 هو النشيد الوطني لمصر حتى اليوم.

اشترك سيد درويش مع الفرق التمثيلية ممثلاً ومغنياً، ولم يكن أثره في ميدان التمثيل والأوبرا العربية بأقل من أثره في ميدان الموسيقى والموشح والدور والطقطوقة والمونولوج الشعبي والأناشيد الوطنية وغيرها من ألوان الغناء ومواضيعه المختلفة، فقد أضاف إلى هذه المآثر مأثرة جديدة وهي تلحين الأوبرا، وأول لحن كان أوبرا «شهرزاد» ظهرت هذه الأوبرا للمرة الأولى أواخر عام 1920 وأوائل العام 1921 وكانت بداية جديدة في عالم الموسيقى العربية والألحان المسرحية، كما لحن أوبرا العشرة الطيبة التي ألفها محمد تيمور ونظم أغانيها بديع خيري، ولحن أيضاً أوبرا «البروكة» وهي اصطلاح فني يقصد به الشعر المستعار الذي يضعه الممثلون على رؤوسهم والرواية معربة عن أوبرا لاما سكوت لأروان.

كان يعتمد على الموهبة المتأصلة في نفسه وروحه في صياغة الألحان، ويخرجها إلى الوجود بلغة النغم الخاصة به، فيسحر بجمالها الألباب ويرقص النفوس، وما كان يلحن أغنية حتى يرددها الناس، وكان هذا أحد أسباب انتشار أعماله بين العامة فلكل لحن قصة ومناسبة ولكل مناسبة أثرها العميق في نفس سيد درويش المرهفة الحساسة.

 

آخر تعديل على السبت, 12 أيلول/سبتمبر 2015 21:53