ناجي العلي : «مهمة  ثقيلة.. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا»

ناجي العلي : «مهمة ثقيلة.. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا»

قلائل أولئك الذين استطاعوا أن يجمعوا بين الثقافي والسياسي، ومثلوا نموذجاً مختلفاً، عبروا فيه من خلال أعمالهم، عن موقف حقيقي يتطلب الكثير من الشجاعة والجرأة، موقف يجمع بين رؤية سياسية متقدمة تتجاوز مواقف نخب زمنه، وامتلاك الأدوات الفنية الكافية والقدرة على توظيفها والتميز من خلالها. 

ناجي العلي أحد هؤلاء، فلاتزال خطوط رسام الكاريكاتير الذي تمر في هذه الأيام ذكرى استشهاده حية تعبر عن نبض القضية الفلسطينية، ومواقفه التي دفع حياته ثمناً لها.  الفنان الذي لم يعرف المواربة، وكتب تاريخ القضية الفلسطينية بطريقته الخاصة، واستطاع قراءة الأخطاء والمواقف السياسية برسوماته وفنه، ظل صلباً حتى النهاية. يعرف عن نفسه قائلاً: «اسمي ناجي العلي .. أرسم .. لا أكتب أحجبة، لا أحرق البخور، ولكنني أرسم، وإذا قيل أن ريشتي مبضع جراح، أكون حققت ما حلمت طويلاً بتحقيقه.. كما أنني لست مهرجاً، ولست شاعر قبيلة – أي قبيلة – إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث دائماً أن تعود.. ثقيلة.. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا». 

رسوماته التي وصل عددها إلى أربعين ألف رسمة، تحمل عمقاً، وتكثيفاً عن وجوه الحياة المختلفة، وتقلباتها. ابتدع ناجي العلي الشخصية الكاريكاتورية «حنظلة»، وعُرف بها ومن خلالها. حنظلة الشاهد في كل لوحة، على أفكار ناجي، المرسومة على الورق والمعبرة عن موقفه، يدير حنظلة ظهره لنا فلا نرى وجهه، يقف صامتاً، ولكن يثبت حضوره بالصمت، يعبر بصمته عن صوت العقل الجمعي للناس. تحول حنظلة إلى توقيع لناجي العلي، وأيقونة في الكاريكاتير وأحد أهم رموز الهوية الفلسطينية. 

رفض استقلالية الفن وفصله عن النشاط السياسي، ودفع حياته ثمناً لموقفه وانحيازه، ورد على اتهامه بالانحياز بوضوح: «متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم تحت». لم يكن يعرف المخاتلة أو المراوغة، يثبت صديقه محمود درويش حقيقة أنه لم يكن من السهل مناقشة ناجي العلي، فهو دائماً يؤكد أنه لا يفهم المناورات السياسية، وظل يردد: «لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية»، وكان يرى أيضاً أن مفاوضات السلام خدعة كبيرة، وكان يقول: «لقد كنت قاسياً على الحمامة لأنها ترمز للسلام..  فالعالم أحب السلام وغصن الزيتون، لكن هذا العالم تجاهل حقنا في فلسطين، لقد كان ضمير العالم ميتاً، والسلام الذي يطالبوننا به هو على حسابنا، لذا وصلت بي القناعة إلى عدم الشعور ببراءة الحمامة». رسم عن محاولات «التنويم والتخدير والإخفاء..  الخ» للقضية، كما عبر عن الوجع العام والصمود، وثبت المواقف البطولية للإنسان العادي وكشف خلافات القيادات والأنظمة وزيفها. 

استطاع تفكيك تناقضات الواقع، ونقلها إلى لوحاته بالأبيض والأسود، وكانت الرؤية واضحة لديه، لا مغالطة ولا مهادنة في الموقف، أكده بوضوح تام: «أنا شخصياً منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء وأنا لا أغالط روحي، القضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية».