وجع على وجع هل تمرد المسرح؟

وجع على وجع هل تمرد المسرح؟

تناقضت الانطباعات التي كتبت وقيلت بعد مسرحية وجع، (التي عرضت ولمدة أسبوعين متواصلين منذ السادس من حزيران على مسرح القباني وهي إعداد وإخراج: الفنان لؤي جميل شانا، العرض من بطولة الفنانة القديرة ثراء دبسي، بالاشتراك مع الفنانين محمد شباط وهبة محمد، ومساعد المخرج غادة إسماعيل.) وخاصة ممن حضروا العرض الأول منهم، ووصلت إلى حد أن قيل إنها عار على المسرح السوري. نعم إنها خلافية إلى الدرجة القصوى، وغريبة أيضاً إلى درجة كبيرة في تقديم فكرة هامة، في إطار غير مألوف على الإطلاق.

في لقاء مع مخرج العمل الفنان لؤي شانا سألناه:
من حضر العرض الأول كون انطباعاً مختلفاً عمن حضر العروض الباقية، كيف يمكن تفسير هذا الشيء؟

في العرض الأول، أنا شخصياً لم أكن راضياً فنياً عن العرض تحديداً، أما فكرياً ودرامياً فقد كنت راضياً تماماً، لأن ما أريده كان موجوداً. لم يكن العرض الأول يعبر فعلياً عما كنا نصبوا إليه، وهناك شيء تفاعلي بالموضوع، وهناك أشياء جديدة طرحتها على صعيد بداية العرض ونهايته، فكنت بحاجة جداً لتجريب واختبار الجمهور بالأشياء التي قمت بها.


قدمت ثلاثة نماذج في مسرحية واحدة، مسرحاً كلاسيكياً إلى حدٍ ما، ومسرحاً برختياً، وأخيراً مسرحاً تفاعلياً وكلها في مسرحية واحدة، لم قدمت هذه الأنماط سوية؟

أنا كنت أعمل على البروفات بعيداً عن التنظير، وبعيداً عن أي مدرسة، وكنت مخلصاً للفكرة التي أطرحها بالأساس، بالنتيجة عندما انتهى العرض وشاهدته، رأيت ما لم أكن أخطط لحدوثه وهو مزيج من بعض المدارس كما قلت، كلاسيك وبريخت وواقعي وتفاعلي وهذا المزيج أنا شخصياً فوجئت به، فقد كانت بوصلتي الإخلاص للفكرة والحالة، وأنا أعتبر هذا المزيج أسلوباً جديداً فرضته الظروف الراهنة وهي الحرب.


هل يمكننا أن نعتبر هذا الأسلوب كأحد إفرازات الحرب؟

بوصلتي كانت الإخلاص للفكرة التي أريدها، وهذا النوع من المسرح يسمى المسرح الاحتجاجي، وظهر أيضاً في ظروف الحرب، كما في العراق، في الحرب العراقية الإيرانية، فقد قام بعض الفنانين بالعمل على هذا الأسلوب، وقدموه في الشوارع والحدائق كرد فعل على الحرب.


في الجزء الأول قدمت ذروة مأساة عطيل، في هذه الذروة قمت بعملية الرفض والتي هي المسرح البرختي (الواقعي)، هل يتناقض المسرح الكلاسيكي مع مشاكلنا الحالية برأيك؟

لم يكن رفضاً للكلاسيك، قدرما كان رفضاً لفكرة القتل، العرض يحمل أفكار ومقولات عدة، المقولة الأولى عندما تدخل شخصية إميليا على متن النص الشكسبيري، محاولةً إيقافه في لحظة درامية مهمة جداً وهي محاولة عطيل قتل ديزدمونة، هنا يتوقف النص الشكسبيري لنبدأ بنصنا، فهي كانت تدعوا إلى إيقاف القتل وتغيير المنحى الشكسبيري بعد الجملة التي قالتها «مئات السنين مرت وقصتكما تنبّها المنابر، أما آن للغة العقل أن تحل محل لغة القتل والدم» وهذه دعوة لإيقاف القتل والدم وفيما بعد ذهبت الممثلة باتجاه المقولة الأساسية للعرض، بمعنى أن ما حدث في سورية من مجازر وقتل لا تستطيع كل مآسي شكسبير أن ترتقي إلى مستوى الوجع السوري، وبالتالي هي دعوة إلى كل مثقفينا للتوقف عن استيراد آلام وأوجاع الآخرين، ولنكتب أوجاعنا بأنفسنا لأننا نمتلك أرضاً خصبة لنصنع منها الإبداعات.


الجزء الثالث من المسرحية كان نوعاً من رجع الصدى لكلام الفنانة لدى الجمهور، لم تكن العلاقة ظاهرة بين ما تريده وما يريدونه هم خارج المسرح؟

كنت بحاجة إلى اختبار الجمهور في بعض الأشياء، فمن المتعارف عليه أن الجمهور يدخل إلى المسرح، ويشاهد ويصفق لتأتي بعدها التحية ويخرج، ولم يكن عبثاً ما قمت به بأن يخرج الجمهور ليشاهد المشهد الأخير في الخارج، فقد كان ذلك حاجة درامية ضرورية. أي أنك طلبت «فعل» من الجمهور؟

أهم شيء أن الصراع القائم بين الممثلة المتمردة على المخرج، وما بين المخرج الموجود في الكونترول، ما بين إيديولوجيا تريدها الممثلة لنخرج من التعليب والقوالب الجاهزة وبين هذا المخرج المتمسك بالكلاسيك وبالمسرح التقليدي، وعندما يحاصرها المخرج بحيث خلّصت كتل الديكور خشبة المسرح من الممثلة، تكلمت مع المخرج «أنت أنهيت عرضك ولكن عرضي لم ينته» وبالتالي دعت الجمهور بطريقة غير مباشرة،  لكن في العرض الأول اختبرت هذا الموضوع، ففوجئت أن الجمهور لم تصله هذه الإشارات فاضطررنا أن نقول للجمهور أن يخرج، وفي الخارج كان هناك مقطع مأخوذ من سعد الله ونوس، وهو مكتوب في الستينات ولكنه يصلح كثيراً للحظة الراهنة ويؤدى عبر جوقة ونختم بأغنية، والجمهور كان في بعض الحالات يندمج مع ما يحصل ويردد أغنية «لا تهملني لا تنساني».


عندما جاءت السيدة ثراء تكلمت بمنطق الرفض القوي جداً وأقرب ما كان إلى الثورة الداخلية لرفض القتل والحرب والظلم. ما عرض لاحقاً في الخارج من شعارات وبالذات أغنية «لا تهملني لا تنساني» قامت بتخفيض الخط البياني لشعور الرفض والغضبإلى نوع من الندب، والمفترض الخروج بروح عالية جداً بناءً على الرسالة التي قدمتها من خلال المسرحية، ما رأيك؟

شعور الغضب، هو شعور فيه حالة تمرد وغضب واحتجاج، هذا خلق صراعاً بينها وبين المخرج وهي في النهاية دعت الجمهور للخروج والتفاعل، ما قبل الأغنية كان يوازي ما تريده فقد كان هناك شعور بالغضب والاحتجاج والرفض، حتى أنهم يوجهون إشارات واضحة لمن هم سبب الحرب وهم حكام العالم والفضائيات والإعلام، وفي الأخير يختمون ب«أنجتني الأحزان وبلغت سن الرشد» وهذا الشيء له علاقة بالحالة، وإلى هنا الخط البياني صاعد، والأغنية ليست بمستوى الغضب نفسه ولكنها أغنية شفافة جداً وكنا أمام أن نختار شيئاً غير مباشر، وله علاقة بالوطن، وعلى هذا الأساس اخترنا أغنية السيدة فيروز لما تمثله من حالة شفافة لأنها خاتمة العمل ونحن بحاجة إلى وجدانيات وشيئاً شفافاً جداً. ليس معقولاً أن نبقى في صعود، ونترك الجمهور يخرج وهو في هذه الحالة من التشنج، لذلك أردنا من خلال هذه الأغنية أن نقدم شيء شفاف يحمل معاني سامية فهم يخاطبون قوة عظمى يمكن أن تأخذ بتأويلات عديدة لتتدخل في الوضع.
دعيتهم إلى العمل دعيتهم إلى دور فعال، في آخر لحظة دعيتهم إلى التخلي عن الدور الذي دعيتهم إليه.
ما نعمل عليه هو انعكاس لإحساس حقيقي واقعي، والملمات عندما تقع ولا يوجد أي معيل، يتم اللجوء إلى قوة خارقة تُستجدى لحل هذه المشكلة وهذا إحساس طبيعي وجداني.


ولكن هذا عجز.

أنا لا أراه هكذا يجب أن يكون هناك توازن. لم أفهم أين العجز.
هذه التجربة مهمة جداً مع كل أخطائها، فأنت قدمتنا إلى مسرح جديد حتماً، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها مسرح أزمة، وأزمة عرضك المسرحي هي تجلٍ للأزمة، فأزمة المسرحية والمشاكل الحاصلة فيها هي كالأزمة السورية، وبالتالي هذا مسرح أزمة حقيقي أنت قدمت بكل إخلاص لفكرتك، والناتج يحتوي على مشاكل هي مشاكل الأزمة ذاتها، لأن في الأزمة ذاتها هناك من يرغب بالقيام بفعل ذاتي بيديه، وهناك من لديه رغبة في الاستسلام.