وهكذا ستفعل الآن...
يصر إعلام الحرب، على فرض نمط من «الوعي» الفئوي بالأزمة السورية، من خلال ضخ جملة من المصطلحات والمفاهيم والمفردات، ذات المنحى الطائفي، أو العرقي، أو المذهبي، أو القبلي، او العشائري، ويحاول إحياء ما تماوت منها، و ابتكار المزيد منها إذا تطلب الأمر..
في إعلام الدجل ينزاح تداول مصطلح الشعب السوري يوماً بعد يوم، لصالح أسماء الطوائف، والأعراق، والمذاهب، والثقافات المتعددة، وكأنه ليس ثمة شعب سوري واحد، وليس ثمة مذبح واحد، يأخذ السوريين بالجملة والمفرق، ولم يكن ثمة فقر معمم، وقهر لم ينج منه أحد من السوريين، واغتراب دمّر بنية مجتمع، وكأنه ليس ثمة لصوص يسرقون باسم الوطن، وآخرون باسم الثورة، وفقراء يموتون باسم هذا وذاك ..
لم يبق شيء خارج دائرة التشويه المتعمد، والإساءة حتى ولو كان من المقدسات، وكل ما هو موجود مجرد طوائف وأقوام مهددة لابد أن تجد لنفسها سنداً، ولا بأس أياً كان السند، طالما أن الوطن كجغرافيا وثروة وبشر ومستقبل بات غنيمة ينهشه قطيع ذئاب..
كلما تأزمت الأوضاع الميدانية في منطقة من مناطق البلاد يذهب هذا الإعلام إلى التركيز على جينات، ولون دماء أبناء المنطقة المعنية، ويصبح القوم علماء بيولوجيا، وجيولوجيا، وأنتربولوجيا، وسيكولوجيا، وشعراء، ومداحون، ونواحون، وتستحضر أحداث التاريخ، وتروى الأمجاد، لا لتوظيفها بالاتجاه الذي ينبغي، ولا باعتبارها مشكلة وطنية سورية تخص كل السوريين منذ «حدد» الإله السوري الأول، وحتى آخر المواليد على إيقاع طبول الحرب، بل لتعميق الشرخ، واستيلاد شرانق جديدة، توظف لصالح استمرار الحرب، و توفير المبررات لدخول عوامل جديدة وقوى أخرى على الخط، لتكتسب زخماً جديداً...
إعلام الدم يجد فسحة له باستغلال القلق الوجودي، الذي يعيشه السوريين، ويجد في ذلك مجاله الحيوي، الذي يكتسب منه قوته، والنسغ الذي يمده بالاستمرارية، بمعنى آخر، إن هذا الإعلام يستثمر في الدم السوري، كمقاول كامل المواصفات خدمة لمصالح مالكيه ومموليه ورعاته....ولكن واقع الحال، والملموس، الذي يعيشه المواطن السوري، في البيت، والحارة، والحي، والقرية، في الوظيفة، والمدرسة، والجامعة، تحت الحصار، أو في السجن، على أبواب السفارات، في المقابر، في بيوت العزاء، أمام أبواب الفرن آن يبتاعون ما يسمى بـ«الخبز»، في البحر آن ينقلب بهم المركب، يفند كل هذا الهذر الإعلامي، ويقول، إن الدم السوري واحد، والجرح السوري واحد، والمصير السوري واحد..
في سورية الآن، طائفتان، طائفتان فقط. طائفة الحرب، وطائفة السلم، والانتماء لإحداها مقياس الانتماء لسورية من عدمه..
أراد التاريخ لسورية أن تكون هكذا، هكذا وجدت نفسها منذ أن كانت، ثقافات متعددة، حاول الكثيرون أن يقول أنها لا تتعايش، وهي قالت العكس دائماً، مرّ بها من مرّ من الظلّام، استهدفها من الغزاة ما هب ودب، خذلها من خذلها، ولكن ذهبوا جميعاً، وبقيت هي... وهكذا ستفعل الآن.