محطات في التاريخ والتراث
دوافع الكذب في التاريخ سياسية ومذهبية واجتماعية وطبقية، وهي أساساً من شغل الرواة، لكن الكذب كثيراً ما يصدر عن صناع الحدث وأصحاب العلاقة به، وهذا من المشهود في كل عصر بما فيه عصرنا الحاضر.
أصدرت دار الطليعة الجديدة مؤخراً طبعة جديدة «الثالثة» من كتاب محطات في التاريخ والتراث للباحث والعلامة هادي العلوي. وتأتي أهمية الكتاب في أنه من الكتب القليلة التي تتناول قضايا التراث من منظور علمي.
يؤكد الباحث على أن أي تقييم لإنجاز أي شعب أو حضارة يؤخذ في ضوء المحطة التاريخية لعالمه المزامن، لأن الحضارات متعاقبة، وكل حضارة تعتمد في نموها على منجزات الحضارة السابقة، وأن التاريخ لا يؤخذ فقط من مصادره المتخصصة فيه، إذ يمكن أن يوجد في مصادر الأدب والشعر ما يكمل أو يوضح أو يوثق بروايات المصادر الأم، ويشير إلى أن من مصادر المعرفة بتاريخنا كتب المنوعات، وهي كثيرة، وتحتوي على فصول شتى من التاريخ والأدب والعلوم والفلسفة والحكايات والطرائف.
وفي معرض رده على بعض المؤرخين الغربيين يشدد الباحث على أهمية السياسة، في مجرى علاقتها مع التاريخ، فالسياسة هي الأساس في حياة البشر، وما فعله منورو القرن الثامن عشر ليس إهمال التاريخ السياسي بل الاهتمام إلى جانبه بتأرخة الحياة الاجتماعية والعلمية وغيرها، ويقدم في هذا السياق عدة أسباب لتوضيح هذه الفكرة، فمفكروا ذلك القرن كانوا سياسيين، والصفحات الأولى في الصحف مخصصة للأخبار السياسية ..والخ، إذاً التاريخ العام، تاريخ للسياسة.
ويعتبر الباحث التراث قاعدة لأي حياة جديدة، لأن التطور لا يقوم في العدم، ويعني التطور، التنقل في الأطوار. والانتقال من طور إلى طور يعني انتظامها في سلسلة متصلة، يرجع فيها التالي إلى السابق على طريقة نفي النفي الحلزوني لا المستقيم الهارب، ويشير الباحث أيضاً إلى أن علاقتنا بالتراث فيها بعض الالتباس الناشئ عن الدين، والدين هو أحد جانبي الإسلام، أما جانبه الآخر فهو الحضارة.
ما يميز الباحث هادي العلوي هو مخاطبته للعقل، والموسوعية في مجال تخصصه وهو التراث، المبحث الهام الذي تناوله بعين الناقد والتحليل العلمي والموضوعية في وقوفه على مسافة واحدة من كل الروايات، والاطلاع على كافة المصادر المتعلقة بالمادة قيد البحث، وتحليل الظواهر من أجل الوصول إلى استنتاجات علمية موثوقة.
يقع الكتاب في 271 صفحة من القطع المتوسط