الرقص على الحبال
يركض الناس في الشوارع، لاهثين وراء قوت يومهم، وأحياناً هرباً من قذيفة طائشة قد تودي بحياتهم.. حالة الاضطراب والقلق مؤقتة، تستمر لحظات، يتابع الناس بعدها حياتهم، يعودون للتدافع على تفاصيل معيشتهم.
الامتعاض وصل حده الأقصى، لا فرق بين متشائم ومتفائل، لسان الغالبية يتكلم لغة واحدة «ما الذي يمكن أن يحدث لنا أكثر مما حصل، وسعري بسعر هالناس»، يحمل كل يوم مزيداً من الفوضى، يتصارع الناس معها، لا يملكون سوى التعاطف مع بعضهم بحثاً عن عزاء دافئ ربما يخفف من وطأة ما جرى، والتهامس بتفاصيل المشقة التي يعيشون.
«البرد شنيع» يجوب شوارعنا لا يجد من يردعه أو يسأله عن هويته، لا توقفه حواجز، يخترق البيوت والعظام، حتى مدافئ «الحطب» التي لم تعد تحمل من الحطب إلا اسمها وكل شيء في الكون قابل للحرق عدا الحطب ذاته!
يبقى لرسائل الحنين والشوق صندوق افتراضي أزرق تتجمع فيه بين انتظار وضجر.
يمضي وقت ثمين، وممتهنو السياسة من أصحاب الشعارات «النّارية» على الشاشات، يعيدون صب أحقادهم التي كرروها مراراً حتى باتت بلا طعم ولا رائحة، حتى حقدهم مزيف! ضباب أسود غطى المشهد.
يكشف كل تصريح أو مقابلة أو مقالة أو حديث بعض الأشياء الخفية.. الرقص على الحبال، والانتقال من موقف لآخر، ولا تخفي التصريحات المتزنة للبعض العشق المزمن عندهم للتجريب في السياسة وبالناس!.
يتساءل الناس والمتابعون لهؤلاء ببساطة: متى سينضج شعور هذه الرؤوس الحامية تجاه ما يحدث كل يوم؟ وأين أنتم مما نعيشه؟ أيليق بمن يريد حلاً وخلاصاً ويكرر ذلك على أسماعنا ليل نهار أن «يربو» بنفسه فوق أي مبادرة تحمل في داخلها ولو بصيص أمل؟
حكايات الوجع كثيرة، حفرت خطوطها بعمق في نفوس السوريين، لم تعد مجرد «شهادات عيان» تروى بمزيد حرقة وألم، بل أصبحت جزءاً من يومياتنا.
ألا يكفي كل هذا الهول الذي نعيشه من بؤس وألم وغربة وتشرد ومعاناة ليكون سبباً للتوقف قليلاً، ألم يحن الوقت بعد؟ لإرادة تنتصر للحياة وتصنعها.. لإعادة النظر، من زوايا جديدة، بالواقع الجديد.. وضرورة التكيف معه، والوعي بضرورة طرح الحلول والبدء بها حتى لو احتاج الأمرلوقت مديد لإنجازه.