تراث وسينما..

تراث وسينما..

يعتبر المخرج الياباني آكيرا كوروساوا «1910-1998» من أهم مخرجي السينما في العالم، سمي بـ«إمبراطور السينما اليابانية»، وهو معروف أيضاً باتجاهه اليساري، ولذلك كان يعاني من مقص الرقابة، كما أنه لم يجد تمويلاً لأفلامه في كثير من الأحيان بسبب آرائه.

قضى كوروساوا 57 عاماً في العمل السينمائي استخدم في أعماله معاني من الفولكلور الياباني كالفروسية اليابانية «الساموراي»، وتمرد الفلاحين ضد الظلم، وطرح عبرها القضايا الاجتماعية والسياسية للشعب الياباني كما استخدم إسقاطات من التراث العالمي لوصف الواقع الياباني منذ فيلمه «راشومون» الذي  أذهل العالم في الأربعينيات وبدأ بعده خوض معركته ضد الرقابة التي كانت تخنق اليابان أيام الفاشية..
من أعماله أيضاً فيلم «ران» الذي يتحدث عن حاكم عجوز يتخلى عن العرش لأبنائه الثلاثة، فينقلب عليه أبناؤه الفاسدون، ويصور من خلال صراعهم فساد الطبقات الحاكمة. وشارك في عمل مشترك ياباني سوفييتي بعنوان «ديرسو أوزولا» في 1975 فحصد أوسكار أفضل فيلم أجنبي في عام 1976 وهو أول فيلم غير ناطق باليابانية للمخرج أكيرا، يحكي فيه قصة جندي سوفيتي يُرسل في مهمة استكشافية إلى صحراء سيبيريا ليتعرف هناك على أصدقاء جدد.
في فيلمه الوثائقي «لا أسف على شبابنا» المؤيد لتحرر المرأة، قدم كوروساوا  رسالته وتوجهه اليساري المعلن. لكن الصراعات السياسية الداخلية في اليابان خلّفت مرارة وفوضى في أعقاب سلسلة اضطرابات، فبدأ اضطهاد المثقفين اليساريين، وربما هذا ما انعكس على فيلمه الأضعف على الإطلاق (يوم أحد رائع) 1947، الذي تدور أحداثه حول قصة عاطفية عن شاب وفتاة يعيشان فقراً مدقعاً لدرجة أنهما لا يستطيعان الزواج بسبب الانتماء الطبقي.
تجلى النضوج السينمائي عند كوروساوا في فيلمه (الملاك السكران) عام 1948، حيث انتقد الإقطاعية بطريقة كوميدية في فيلم سانجورو، بينما يدور فيلم اللحية الحمراء حول نضال البشرية من أجل عالم أفضل، ويتحدث فيلم لحن في آب عن ضحايا ناغازاكي.
ويسرد فيلم (ليس بعد) الذي أخرجه كوروساوا في عمر الثالثة والثمانين، قصة سبعة عشر عاماً من حياة معلم متقاعد محبوب ومحترم من قبل أجيال من طلابه السابقين، ورغم وصوله إلى سن كبير في العمر يبقى قوياً ومفعماً بالحياة كما كان دائماً، واستخدم عبارته المفضلة «ليس بعد» عنواناً للفيلم.
كان رائداً في استخدام العدسات الطويلة والمتعددة، حيث صور مشهد المعركة الأخيرة الشهير وسط الأمطار الغزيرة والطين المتناثر في فيلم (رجال الساموراي السبعة)، الذي يعتبر ملحمة عن سبعة محاربين يسخّرون ذكاءهم وحياتهم للتصدي للعصابات الغازية، وللدفاع عن المزارعين الفقراء في القرية. تطرق في أفلامه إلى موضوع الموسيقا وكيف غزت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حتى غدا الاستماع للموسيقا اليابانية الشعبية أمراً غير مألوف.
ومثل جميع أقرانه كجان رينوار وجون فورد وكنجي ميزوغوشي، استمد كوروساوا إلهامه السينمائي من المخزون العالمي السينمائي والأدبي والموسيقي. ومن خلال سيناريو أعظم فيلمين له يكشف كوروساوا عن قدرته الطبيعية على سرد الرواية، وقناعاته الإنسانية التي تتجاوز حدود النوع والحقبة والقومية. حيث تدور قصة فيلم (أن تحيا) عن مغزى حياة الإنسان.