ماذا تعرفون عن رومانيا؟

ماذا تعرفون عن رومانيا؟

ربما لا يعرف كثيرون كيف تقوم وسائل الإعلام وشركات الإنتاج السينمائي في الغرب بالتعريف عن ثقافات الآخرين ومنها ثقافة الشعب الروماني وحضارة رومانيا، خاصة أنهم يعرفون الكثير عن رومانيا ولكنهم يريدوننا أن نعرف القليل، أو أن نعرف ما يدبجونه في إعلامهم عنها!!

جرى اختيار القليل فقط من هذا التاريخ بدقة، من ذلك الكم الذي جرى جمعه على عجل ودمجه مع بعض المعلومات التاريخية السابقة دون أن يكون ثمة رابط بين هذا وذاك، ثم كان تسويق هذا الكم غير المتجانس الذي يفتقد التناسق إلى الناس. وبدأ الترويج له على أنه الثقافة الرومانية أو تراث الشعب الروماني. ولكن عن ماذا يتحدثون هنا بالضبط؟
يعرف الجميع مساهمة الشعب الروماني بقسطه في الحضارة والثقافة التي توصلت إليها البشرية حتى الآن. ونذكر منها على سبيل المثال، أعمال الفيلسوف “نيكولاي بيلتشيسكو” ( 1819- 1852 ) صاحب كتاب «المسألة الاقتصادية في إمارات الدوناي» الذي أدخل الفلسفة المادية إلى رومانيا، وقد استشهد ماركس به في كتابه رأس المال في حديثه عن استغلال الإقطاع للفلاحين في البلقان. ووقف ضد القنانة والليبرالية وآمن بدور الجماهير في التاريخ. وأعمال الشاعر الغنائي “ميهاي ايمينسكو” الذي يعتبره الشعب الروماني بوشكين رومانيا، وغيرهم الكثير.
يجري تجاهل ما هو حقيقي وفاعل في الإنجازات الثقافية لرومانيا ويتم التركيز الشديد على القليل فقط الذي يخدم شيئا ما في نفس يعقوب!
فمثلاً جرى انتقاء قصة خرافية من التراث الروماني تعود للقرون الوسطى لتصبح الأساس الذي بنيت عليه فكرة «أسطورة دراكولا» الذي استخدمت في السينما . كذلك واعتبر الفاشيون الرومانيون من أنصار أنطونيسكو الذي كان رئيساً لرومانيا في الحرب العالمية الثانية مناضلين. وصنفت أحداث بوخارست 1989 الدموية كانتفاضة تحررية!!
وقد قدمت مجالات متعددة خدماتها لكل ما يتعلق بالمواضيع الثلاثة السابقة وكرست أعمال ضخمة  من أجلها، ضمن القليل الذي يجري التركيز عليه طوال الوقت، فأنتجت أفلام سينمائية ووثائقية ومجدت  صحف واستخدمت أقلام أدباء باستمرار خلال العقدين الأخيرين من أجل ذلك.  وهنا يطرح السؤال نفسه بحدة لماذا تنجز أعمال بالعشرات وتصرف ميزانيات ضخمة على هذا القليل المنتقى بعناية وحرفية عالية بينما  جرى تهميش رموز وتغييب إنجازات فكرية وثقافية حقيقية ضمن محاولة لمحو ذاكرة الناس وتوجيه أنظارهم وأبصارهم عن الثقافة الحقيقية التي أنتجتها رومانيا عبر تاريخها الطويل. لتكون النتيجة أن يختصر  العالم معرفته لثقافة رومانيا في نماذج شخصية دراكولا ونهج انطونيسكو وأحداث 1989.
كانت الغاية تثبيت فكرة العالم العنيف والخيانة الوطنية في أذهان الناس. وإلغاء إنسانية رومانيا وحضارتها وثقافتها من خلال انتشال الحثالة من قمامة التاريخ وتصديرها  للناس على  أنها ثقافتهم « ثقافة العنف وانعدام القيم» وأن أمريكا هي سيدة العالم من خلال تبني وتصدير هذه الأعمال بكثافة عبر العالم.