مقاتلات عين العرب لسن مجرد جميلات
ماذا كان سيحصل لو لم تكن مقاتلات كوباني جميلات؟ هذا السؤال طرحه الكثيرون على الملأ أو في السر الأسبوع الماضي، وهم يرون درجة تعاطف كبيرة مع المقاتلات الجميلات اللواتي غزت صورهن مواقع التواصل الاجتماعي. لكن عذراً من قال إن جميع المقاتلات جميلات؟ هن شابات وأمهات، كبيرات وصغيرات، يختلفن في الملامح ولون العيون. ثم من قال إن القضية هنا قضيّة جمالية في المقام الأوّل؟!
لنعد لقص الحكاية من البداية، لأن هذه«الحكاية» تحديداً تشكل مثالاً خطيراً على الآلية التي تعمل بها وسائل الإعلام لحرف اهتمام الجمهور تماماً اتجاه الجوانب الأقل أهمية في قضية شديدة الحساسية والخطورة كقضية مقاومة داعش بما تمثلّه من قوى تحرّكها وتوجهها.
في عالم عادل، تسعى فيه وسائل الإعلام لحماية المصالح الحقيقية للناس، وللوصول إلى الزبدة في كل حدث إخباري جديد. كانت نشرات الأخبار والصحف الرسمية ستتجه نحو القضية الجوهرية الأبرز هنا: «فكرة المقاومة الشعبية الوطنية لداعش»، التي تُظهر أن تاريخ السوريين ومصالحهم تتناقض موضوعياً مع مشروع الدولة الإسلامية، التي تسعى للسيطرة على أرضهم والإستيلاء على النفط وغيره من الثروات والبنى التحتية. إلى جانب ترهيبهم ونشرالفكر التكفيري الذي يجعلهم أسيري الخوف ويسهّل التحكّم بهم. في عالم خيالي تهتم فيه وسائل الإعلام ومن يملكها، بالناس حقاً، كان من المفترض الانتباه إلى أن المقاومة الشعبية التي اتسعت في عين العرب لم تكن خياراً فقط، بل واقعاً وخطراً موضوعياً دفع بالجميع: أطفالاً ورجالاً ونساءً للدفاع عن الأرض.
والآن لنعد للعالم الواقعي، وللطريقة التي تم فيها معالجة القضية. بداية تم التركيز على قضية «الشرف» بالمعنى الضيّق للكلمة. وتم إنتاج عشرات التقارير التي تتحدث عن انخراط نساء «كوباني» في المعارك حفاظاً على أجسادهن من أن تغتصب من قبل مقاتلي داعش. بعد ذلك سعت وسائل الإعلام بكل جهدها لفصل عين العرب (كوباني) جغرافياً وتاريخياً وقومياً عن سورية، والتركيز على الهوية الكردية للمقاتلات، في إسقاط شبه كامل للجنسية السورية التي يحملنها، وتجاهل لتصريحات بعضهن التي أكدن فيها على انتمائهن الوطني قبل القومي الضيٌق. وساهم في هذه القضية إستراتيجة الإعلام الرسمي الذي لم يعط الاهتمام الكافي لما يجري هناك.
ثم جاء بعد ذلك الشق المتعلق بالمظهر الخارجي للمقاتلات وجنسهن. وكان هذا البعد الملعب الأشرح لوسائل الإعلام. كان البدء مع المقاتلة جيلان أوزآلب التي انتحرت لتتجنب الوقوع في يد داعش وانشغلت بها وسائل الإعلام الغربية. خاصةً وأن البي بي سي كانت قد أجرت لقاء مع أوزآلب قبل استشهادها. ما حوّل المقاتلة الشجاعة إلى ما يشبه نجمات «البوب» والموسيقا بدلاً من أن تكون أيقونة للشجاعة والنضال. بدا أن ما لفت وسائل الإعلام حقاً هو الوجه الجميل «السافر» في وجه «الرجعية والإرهاب والتطرّف». هذه المرة تحرّكت المنظومات الثقافية والإعلامية بسرعة تثير الريبة والشك للإلتفاف حول نموذج مناضلات وحدات حماية المرأة. على سبيل المثال بادرت العلامة التجارية الشهيرة للأزياء (H&M) إلى تصميم زي مستوحى من بدلة مقاتلات كوباني الخاكية مع حذاء ضخم وحزام جلدي عريض ضمن مجموعة الخريف الجديدة الخاصة بالشركة. أثارت الأزياء الجديدة موجة من الاستياء، ما دفع الشركة للاعتذار متذرعة بأنها لم تقصد إظهار عدم الاحترام للمقاتلات.
تذكّر الآلية التي تم فيها التسويق غربياً لمقاتلات عين العرب بأسلوب تشويه صورة غيفارا وتحجيمه من خلال حصره بمجرد وجه وسيم يطبع على الملابس أو يعلّق صورةً على الجدران. بالرغم من اختلاف التجربة الثورية والظروف. جل ما تريده وسائل الإعلام أن تقسّم الشعب السوري إلى فئات: الجميلات، الأكراد، العلمانيين.. وأن تسقط فكرة المقاومة الشعبية الوطنية التي تضّر بمهمة الحلف الدولي «المقدسة» حينما يتوحد فيها أبناء الشعب جميعهم ضد أعدائهم. داعش ومن خلفها.