حرب المصطلحات!؟
يعتبر أي مصطلح تكثيفاً لرؤية معينة حول هذه الظاهرة أو تلك في سياق تطور الفكر الإنساني. وفي فترة الأزمات والصراعات تصبح المصطلحات إحدى أدوات الحرب، لما تكثفه من رؤى ومواقف تجاه هذه القضية أو تلك، ولما لها من تأثير في الوعي الاجتماعي.
من جملة المفاهيم الذي يجري الجدل حولها في الظرف الراهن هو مفهوم العلمانية الذي كان وما زال من المفاهيم المثيرة للجدل نظراً لارتباطه بالمقدس الديني. أخذ الجدل حول هذا المفهوم غالباً شكل اللغو والسفسطة التي تشوه المفهوم بحد ذاته، وتكسبه دلالات ومعاني مشوهة خارج السياق التاريخي الذي تبلور فيه.
لاشك أن هذا المفهوم تبلور تاريخياً بالتزامن مع الثورات البرجوازية الأوربية، التي اصطدمت مع الكنيسة ودورها الرجعي في الحياة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية. وعلى هذا الأساس راح بعض التلامذة الكسالى في بلدان الشرق الذين ليس لديهم إلا النقل واستنساخ تجارب الغير يذهب باتجاه تقزيم هذا المفهوم إلى مجرد دعوة الى الإلحاد، ومواجهة مع الدين، وقياساً عليه، فالعلمانية هي الحل السحري في مواجهة الجماعات الأصولية بعد تصاعد دورها في بلدان الشرق؟!!
لاشك أن العلمانية بالمعنى المجرد حاجة موضوعية، تفرضها ضرورة مواكبة التطور التاريخي ودور تقدم العلوم في ذلك، ولكن حتى تلعب العلمانية مثل هذا الدور يجب أن تكون ضمن عملية متكاملة اقتصادية اجتماعية وسياسية توفر تلك البيئة المناسبة لتجاوز الأساطير والفتاوى والمواعظ التي لايربطها رابط مع العقل الإنساني..
وحتى تكون الدعوة إلى العلمانية ضمن ظروف بلدان الشرق دعوة حقيقية يجب أن تتزامن مع العمل من أجل تلك الاستحقاقات المطروحة على جدول الأعمال بحكم الأمر الواقع، والتي تتمثل بنموذج اقتصادي جديد غير تابع، فضاء سياسي جديد، وعدا عن ذلك فإن مثل هذه الدعوات إما تعبير عن قصور معرفي، أو ثنائية وهمية تحاول بعض وسائل الإعلام فرضها على المتلقي في إطار محاولة التلاعب بالوعي الاجتماعي وتوجيهه إلى اتجاهات لا تملك إجابات حقيقية على الأسئلة التي يفرضها الواقع الموضوعي، إجابات تعيد إنتاج الأزمات ولا تحلها.