«التطهير».. في عيده السنوي..

«التطهير».. في عيده السنوي..

أقفل الجميع منازلهم، تجمعت العائلات في الغرف، وتحلق الجميع أمام شاشة التلفاز، توقف البث الاعتيادي حتى يتسنى للجميع الاستماع إلى هذه الرسالة الطارئة، ظهر أحد مراسلي الأخبار ليقرأ على عجل هذه الرسالة: «إليكم هذه الرسالة العاجلة.. نحب أن نذكر السادة المشاهدين بأن عملية التطهير السنوية قد بدأت.. وستعلن صفارات الإنذار التي تسمعونها الآن عن السماح بارتكاب جميع الجرائم التي تودون ارتكابها دون أي مسؤولية قانونية، ومنها القتل بالطبع، ستتوقف خدمات الطوارئ والإسعاف عن العمل خلال الاثنتي عشر ساعة القادمة، لذا نتمنى لكم عملية تطهير سعيدة مع تحيات شكر الحكومة الأمريكية الجزيل لمشاركتهم هذه السنة..!»

يظهر هذا الإعلان الغريب في بداية الفيلم الأمريكي الجديد: «التطهير: الفوضى»، وهو من أحدث الأفلام التي تعرض اليوم في صالات السينما، ويأتي متمماً للجزء الأول من السلسلة ذاتها والذي عرض العام الماضي وسط موجة كبيرة من الاهتمام والنقد. 

رياضة «صيد الإنسان»..

يحمل الفيلم العديد من الرسائل المبطنة، ويضع قضايا التناقض المريع في توزيع الثروات والفجوة بين الأثرياء والفقراء في إطار دموي صادم، لكنه واقعي للغاية في الوقت ذاته، ليحمل في جزئيه تخيلاً مرعباً لمستقبل الرأسمالية الأمريكية ومفرزاتها الاجتماعية يبدأ في الجزء الأول في العام 2022 وينتهي بجزئه الثاني، المسمى: «الفوضى» في العام 2023.

تتلخص القصة بفكرة مبتكرة ابتدعتها الحكومة الأمريكية للتخلص من مشاكل الفقر والبطالة والهجرة غير المشروعة، كان الحل بسيطاً للغاية ويستلزم اثنتي عشرة ساعة من كل سنة، حيث تسمح الحكومة الأمريكية بارتكاب ما يرغب المرء من جرائم بحق من يريد دون أي رادع أو حسيب في يوم مميز يدعى بيوم «التطهير».

تبدأ معها الحملات الوحشية لاصطياد الأغنياء للفقراء أو لتصفية الحسابات بين المتخاصمين، دون أن تتدخل خدمات الطوارئ أو قوى الأمن لفض أي اشتباك أو معركة أن جاز التعبير، وهنا يبدأ الفيلم بالإشارة الضمنية إلى المشاكل المعاصرة التي يعيشها المجتمع الأمريكي عن طريق الإشارة الواضحة لقدرة الأغنياء على حماية أنفسهم من هذا «التطهير» عن طريق امتلاك أحدث أنظمة الحماية المنزلية وأعتى وأدق أسلحة الدفاع عن النفس، بينما يصبح الفقراء والمشردون وأصحاب البيوت المحطمة لقمة سائغة لهجوم عصابات «التطهير» التي تمارس «رياضة» صيد الإنسان بكل برودة أعصاب!

«نحن الذين نملك!»..

في الجزء الأول من هذه السلسة، تظهر عائلة «ساندين» كمحور للأحداث. نرى رب الأسرة الثري بعد أن امتلك ثروة من بيع أجهزة الحماية المنزلية، ثروته هذه تقيه وتحمي عائلته سنوياً من شرور يوم «التطهير». لكن الأمر تغير هذه السنة، بعد أن غافله ابنه المراهق وأدخل رجلاً أسود إلى منزلهم المحصن، كان ذلك الرجل «طريدة» عصابة من المراهقين المتعطشين للدماء، وقد أثرت نداءات الاستغاثة في قلب الشاب فادخله إلى منزل العائلة، ليصبح المنزل الكبير هدفاً لتلك العصابة بكل ما يمتلكون من أسلحة. يصرخ الأب بوجه ابنه الشاب قائلاً: «عليك أن تكون ممتناً، نحن نملك المال الكافي لحمايتنا الليلة!»، بينما تصرخ العصابة المقنعة في الخارج: «افتحوا الأبواب، نحن من نملك!».. «We’re the Haves!».

حمل الجزء الثاني المزيد من هذه الرسائل، تبدأ القصة في العام 2023، ذكرى يوم «التطهير» التالية، والحادثة تتكرر من جديد، لكننا نلاحق هذه السنة مجموعة صغيرة من النساء تحاول الهروب من تطهير عصابات المدينة، لتبدأ رحلة مثيرة ومشوقة يحاول فيها الجميع التخلص من ملاحقيه، وبرفقة أحد «الصيادين» هذه المرة، والذي يحاول الوصول إلى الرجل المخمور الذي دهس ابنه الوحيد منذ أشهر.

وفي رحلة القتل هذه، يقوم بحماية تلك المجموعة خلال هذه الساعات الدموية، وقد تعمد هذا الجزء إدخال العديد من التطورات، فالبيانات الإذاعية والتلفزيونية تقطع تسلسل الأحداث لتصف بشاعة المجتمع الأمريكي وفظاظة القتلة خلال ساعات التطهير، كما تجري العديد من المقابلات مع قادة «الثوار» من الفقراء والمعدمين، الذي يقاومون عصابات «التطهير» بالقوة، ويدعون الناس إلى التجمع والثورة.

يتحدث الفيلم في هذا الجزء صراحة عن دور خفي للحكومة الأمريكية في تأجيج المعارك ورفع منسوب الدماء عن طريق التدخل بالقوة لزيادة حدة الصراع في الشوارع وتشجيع المترددين لممارسة «حقهم المشروع» في «التطهير» بعد أن أظهرت الإحصائيات الحكومية نفور الجموع من هذه «الواجب الوطني»!

شبح مالتوس في السينما أيضاً.. 

لا يعد «التطهير» ضرباً من ضروب الخيال المستحيل، فالفجوة هناك تتسع، والكراهية تتفشى بين الناس، نداءات يومية تطالب بإقفال الحدود وطرد المهاجرين، بدأت معالم المدن بالتغير، أصبحت الحدود واضحة بين من يملك المال ومن لا يملك قوت يومه، ولم يعد وارداً أن يعود الزمن إلى الوراء، لقد وصلت الأمور إلى حالة لا يمكن شفاؤها، ليبدو العام 2022 تاريخاً منطقيا للغاية، عندها لن يستغرب أحد رؤية بيان حكومي متلفز جذاب يدعو فيه الجميع للبدء بحفلة القتل السنوية تحت حجج واهية، ليبقى المنتصر مضرجاً منتشياً تتحول ضحكاته خلال ثوان إلى دموع مجنونة!.