العولمة والحرف التقليدية
اختلفت الآراء حول العولمة وأثارها السلبية سواء على العالم، وعلى الدول النامية. والملاحظ بأن الأكثر تضرراً جراء النهج الذي تتبعه الشركات العابرة للقارات هو الدول النامية، حيث يجري إفقار المجتمعات وضرب الحرف التقليدية وتهميش دور المهنيين ومحاصرتهم والتضييق عليهم حتى بلقمة العيش.
وتساعدها في ذلك السلطات الحاكمة في تلك البلدان عبر سياسة التجويع والإقصاء والتهميش والقمع، وتسهل تشكيل جسر عبور للعولمة المتوحشة مهددة فقراء العالم، ومستقبل ملايين من الناس الذين يعملون في قطاعات الإنتاج الحرفي، مستخدمة أدوات ووسائل تقليدية موروثة منذ مئات السنين.
تتطلب المرحلة التي يمر بها عالمنا المعاصر بتقنياته المتطورة وثقافاته الاستهلاكية، تحصين الأجيال الجديدة بقيم تعبر عن أصالة الشعب وعاداته وتقاليده في مختلف مجالات العمل والإنتاج، وبشكل خاص في مجال الحرف التقليدية. التي تعتبر مصدر استقرار نفسي واقتصادي لدى الكثير من الأفراد والجماعات. مع أنه لا يمكن استمرارها إلا باعتماد العلوم العصرية بأساليب متطورة، ومواكبة كل ما هو جديد، ودعم الدولة للمهنيين والحرفيين، وتشجيع المبدعين وعدم احتكار العلم لشريحة اجتماعية بعينها.
لهذا تعدّ حماية الحرف التقليدية بعد تطويرها وعصرنتها، مدخلاً هاماً لحماية قيم حضارية عديدة وهامة في أي مشروع ثقافي لحماية التراث الوطني والمجتمع. لكونه يعمل على حماية التراث الحرفي ويحافظ عليه، ويكسب الأجيال الشابة مهارات يدوية متنوعة ذات أهداف إنتاجية ووطنية.
يتعرض الحرفيون لتدمير مبرمج في مختلف مجالات الإنتاج الحرفي، على أيدي حفنة من الرأسماليين والبيروقراطيين الموجودين في موقع القرار. تسببوا بإنهاء آلاف الحرف التقليدية، وإعلان القيمين عليها إفلاسهم وبيع أدواتهم، بسبب الصراع غير المتكافئ بين الصناعات الرأسمالية المتطورة وبروز شرائح اجتماعية جديدة منافسة، لا يعنيهم شيء سوى الربح. حاصروا المهنة والمهني العاجز عن استكمال طريقه نتيجة لقلة الدخل، وعدم قدرته المادية للحصول على المعلومات الهامة والمحتكرة، فاضطره للعمل مكرهاً عند غيرهم بأجور زهيدة، أو الهجرة التي أصبحت ملاذاً لمعظم الشباب في حال قدرتهم عليها.
تبرز أهمية قصوى لتوليد قوى شعبية ضاغطة لحماية الإنتاج المحلي والقوى المنتجة، خاصة في المجال الحرفي والصناعات الزراعية، بعد أن أصبح هاجس الشباب الآن هو النضال لإيجاد فرصة عمل.
إن دور مؤسسات الدولة مهم جداً وأساسي، وهو شرط لا بديل عنه لقيام تنمية اقتصادية واجتماعية سليمة ودائمة. فالدعوة إلى مساندة القطاع الخاص وتنشيطه وتشجيعه يجب ألا يكون على حساب القطاع العام مهما كانت الظروف.
فالقطاع الخاص غير مؤتمن للقيام بتنمية إنسانية عامة مستدامة دون إشراف مباشر من الدولة وحمايتها وتدخلها عند اللزوم لأن الهم الأساس للقطاع الخاص هو الربح، وما يتبعه من خلق فوارق طبقية بدلاً من احتضان القوى الشعبية المنتجة والعاملة في مختلف مجالات الإنتاج، لذلك لابد من حماية الإنتاج الحرفي وتحويله إلى طاقة خلاقة تساهم في تضخيم الإنتاج وتعزيز ركائز التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.