ثقافة وملتقيات..!
ظهرت على الدوام منابر ثقافية موازية غير رسمية، حاولت أن تلعب دوراً ما في سد الفراغ الحاصل بالمشهد الثقافي، في ظل بؤس المؤسسة الثقافية الرسمية وعجزها أو إعاقتها عن القيام بالدور المطلوب منها في إغناء الحياة الروحية، وتطوير الثقافة الوطنية.
بعض هذه المنابر– الملتقيات– عانت من أمراض المؤسسة الثقافية الرسمية ذاتها، وأمراض الوسط الثقافي من «شللية» و«إغراق في الذاتية»، و«إغتراب» عن الواقع ومشكلاته الفعلية، فتبخرت كغيرها من الظواهر التي لاتمتلك مبررات وجودها الفعلي على الأرض، وأصبحت في خبر كان. وبعضها الآخر استمر في نشاطه رغم التحديات والعوائق الجدية التي اعترضت سبيلها، وقدمت أحياناً ما لم تستطع المؤسسة الرسمية تقديمه، وخصوصاً في مجال رعاية المواهب الشابة كإحدى المهام الدائمة المطلوبة منها، لابل ظهرت هنا وهناك تجمعات ثقافية جديدة في مجالات الإبداع المختلفة، من أدب وموسيقا.
وانطلاقاً من التجربة السابقة لمثل هذه الأنشطة، وبغية تفعيل دورها في إغناء الثقافة الوطنية السورية فإن المطلوب عدم تركها تحت رحمة الارتجال والمزاجية والنشاط الموسمي، والأهم من ذلك الاستناد على فهم صحيح للوظيفة الاجتماعية للثقافة، ودورها وخصوصاً في ظل الأزمة الراهنة وما تفرضه من تحديات على المنابر الثقافية الوطنية، لتكون بذلك مشروعاً متكاملاً ذا أهداف محددة واضحة تساهم في تكوين وبلورة فضاء ثقافي جديد يغني العالم الروحي للإنسان السوري، بعد أن لوثته نزعة الاستهلاك، وما عمّقته الأزمة من ظواهر مرضية سرطانية ينبغي استئصالها.
لايلغي أهمية تجربة النشاط الثقافي غير الرسمي التي شهدها الوسط الثقافي السوري أن جزءاً من هذه الملتقيات تلقفته «المؤسسات الثقافية» الدولية، وأصبح أداة اختراق ثقافي، بما قُدم إليها من تمويل، وما فُتح أمامها من أبواب، تحت ستار الجوائز وغيرها من ضروب «الارتزاق» الثقافي.
وعلى العموم فإن تجربة النشاط الثقافي غير الرسمي كانت وما زالت، تجربة جديرة بالاهتمام والدراسة والتقييم بجميع جوانبها، طالما أنها تمتلك مبررات وجودها، ولعل هذا ما يفسر استمرارها حتى الآن في العديد من مناطق البلاد رغم كل تعقيدات الوضع فيها.