أرنستو ليكونا «غرشوين كوبا»
كان لعبقرية «أرنستو ليكونا» في التأليف والتوزيع الموسيقي، تأثير إيجابي تاريخي مُهم ليس فقط في تطوير الموسيقا الكوبية بل وموسيقا أميركا اللاتينية عموماً، إذ لقب بـ (غرشوين كوبا) لأن تأثيره في الموسيقى الكوبية شَبيه بتأثير جورج غرشوين في الموسيقى الأميركية، إذ نجَح الاثنان بإخراج موسيقى بلدَيهما مِن إطار المَحلية الى آفاق العالمية عبر تطويعها أوركسترا لياً وتقديمها الى العالم بإطار الموسيقى السيمفونية مَع المُحافظة على خصوصيّتها التي تبدو واضِحة بأعمالهما.
ولِد «إرنستو ليكونا» عام 1895 في كوبا لأب أسباني وأم كوبية، وظهَرت مَلامح عَبقريته مُنذ الصِغر، فقد تعَلم العَزف على البيانو في الخامسة، وألف أولى أعماله وهو في الحادية عشرة، ثم أكمَل دراسته في العزف على البيانو وقيادة الفرق السيمفونية في كونسرفتوار هافانا، وكان غزيراً بنتاجاته التي تجاوزت الـ400 عَمل، كما أن البيانو كان حاضِراً ومُحورياً في أغلب أعماله.
إن مَنبع الموسيقا الكوبية هو موسيقا حَضارات الشُعوب التي شكلت المُجتمع الكوبي، ومنها الموسيقا الأوروبية للمُستعمرين الإسبان المُطعّمة بروح الأندلس ومقاماتها الشرقية، وموسيقا السُكان الهُنود الأصليين الراقِصة، والموسيقا الإيقاعية للأفارقة الذين جيءَ بهم كعبيد، وقد صَبّت جميعها في نهر واحد، ثم تفرّعَت بَعد نضوجها وتبلورها الى فَرعين مُختلفين شَكلاً لكنّهُما مُتشابهان بالمضمون ويُعبّران عَن هوية واحدة.
الأول هو الشَكل الفلكلوري الراقِص الذي يَعتمِد الإيقاع، والذي نعرفه بأشكال مُختلفة منها الـ« شا شا شا» و«السالسا»، وهو الأكثر شُهرة وشَعبية داخل كوبا وخارجها.
أما الفرع الثاني فأقل شُهرة وشَعبية، وهو الموسيقا الكلاسيكية التي اختارها «ليكونا» مجازفاً ومُتسَلحاً بعَبقريته الموسيقية وحُبه للموسيقا ولتُراث وطنه كوبا.
وأغلب أعماله قطع موسيقية مِن البيئة الكوبية وتراثها، مُصاغة بمَهارة وعَبقرية وموزعة أوركسترالياً تعكس جَمال بيئة عُرِفَت بأنها تواجه مَشقات الحَياة بالرَقص والغناء والمَرَح.
من مقطوعاته الرائعة سويت إسبانيولا الذي يَتكون مِن سِلسلة حَركات مُتتابعة بنكهة إسبانية أشهَرها مالاغوينا التي تختزل موسيقا الفلامنكو والكلاسيك في لحن متناغم واحد، ورابسوديتيه الأرجنتينية والكوبية، وتمتاز الأخيرة بلحن رومانسي هادئ يتصاعَد تدريجياً إلى لحن شعبي راقص نـابض بالحياة.
وله أيضاً مَجموعة دانزون أفروكوبية للبيانو وأغاني تحمِل نكهة فولكلور كوبا اللاتيني مِثل سيبوني وسَي سِيسِي ولاكومبارسا وغُبار القمَر ودائماً في قلبي، بالإضافة للعَديد مِن قطع موسيقا الأفلام التي كان مِن روادها، كما في بريليود الليل أو اللحن المَركزي مِن مَعزوفة قبل الأسكوريال.
وقد باتت موسيقاه جُزءاً مِن تراث موسيقا عالمي يُدَرّس بأشهر المَعاهد الموسيقية ويُعزف بأهَم الحَفلات السيمفونية، وباتت أعماله مِثالاً ورمزاً لموسيقا كوبا وأميركا اللاتينية، ولتراثِها وحَضارتِها كمقطوعتي مالاغوينا مِن سويت إسبانيولا أو لحن أغنية سيبوني.