الشمال «الحر» والجنوب «العبد».!!

الشمال «الحر» والجنوب «العبد».!!

أنتجت هوليود فيلمين عن عبودية السود في أمريكا في القرن التاسع عشر، الأول هو «جانغو»، للمخرج كوينتن تارانتينو، ويتكلم عن قصة حب بين زوجين من السود يفرقهما النخاسون، ثم يتحرر الرجل ويقوم بمحاولات بطولية لاستعادة زوجته.

أما الآخر فهو «12 عاماً من العبودية» للمخرج ستيف مكوين، الأفريقي الأمريكي، والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية تتحدث عن عازف الكمان «سولومون نورثوب» الذي اختطف  من نيويوك حيث كان يعيش «حراً» مع زوجته في الولاية التي لا تعترف بالعبودية..!! واقتيد إلى الجنوب الأمريكي حيث العبودية، ليبقى هناك 12 عاماً يعمل في مزارع القطن والقصب، إلى أن يتم إنقاذه، وعن الرواية التي كتبت بالعنوان نفسه، جرى اقتباس الفيلم لاحقاً.
بمقارنة بسيطة تتوضح الفروقات بين العملين، وأسلوب كل من المخرجين وطريقة تعامله مع السيناريو، حيث يتميز «جانغو» بمشاهد الدماء العنيفة و التناقضات الهزلية، والتي يبرع بإخراجها تارنتينو، مما أكسب أفلامه صفتها المميزة بالتقلب الحاد بين الضحك والرعب والإثارة، بالإضافة إلى صفة البطولة الخارقة لشخصيات الفيلم الرئيسية. كل ذلك شكل حاجزاً مع بعض المتلقين الجدد، إلا أنه نجح في تكوين العديد من المعجبين بجرأته وخياله الخصب. بينما يتميز  فيلم «12 عاماً العبودية»، بجديته وأسلوبه الكلاسيكي القوي وإبهاراته وتقنياته التصويرية والتمثيلية من البداية.
تكمن نقطة الاختلاف الأساسية  بين الفيلمين في السيناريو، إذ احترم «12 عاماً من العبودية» النص الأصلي المقتبس عن الرواية الحقيقية، رغم أنها صورة نمطية عن المجتمع تعتمد عقلية محددة في التعامل مع قضية العبودية، حيث يقسم الفيلم المجتمع الأمريكي إلى قسمين شمالي، مثالي، متحرر من العبودية، يعيش فيه السود والبيض بانسجام ومحبة..!! وجنوبي يرزح تحت نير العبودية والاستغلال، يستغل البيض الأشرار السود، بينما يهرب السود الخانعون الجبناء كلهم إلى داخل أكواخهم عندما يضرب السيد أحد عبيده حتى تنتهي العقوبة، وهمهم الوحيد هو العيش إلى اليوم الثاني.
يعكس الفيلم رغبة الكاتب «بطل القصة الحقيقي» في عدم التصادم مع مجتمعه أثناء نقل قصته، عندما  يفرق بين حقه كأسود حر في الشمال وبين أسود عبد في الجنوب..!!.  
يظهر فيلم «جانغو» أيضاً  نمطية أخرى في التعامل مع العبودية، يناصر السود رجل ألماني أبيض مهاجر، وأكثر الأشخاص شراً في الفيلم هو رجل أسود يعمل خادماً لدى سيده الأبيض ويتماهى مع كل مصالحه ورؤيته.
ورغم تركيز الفيلم على أن أساس العبودية ليس عرقياً صرفاً بقدر ما هو تعبير عن الاستغلال، مع ذلك لا يناقش «جانغو» صلب العبودية وعمقها وأسبابها، بل يلامس سطح القضية دون الولوج إلى العمق، فيصورالرجل الأسود وهو يمتطي حصاناً في مدن البيض، ويحمل السلاح  ويلاحق المجرمين البيض..!! ويقتلهم ويسلمهم للعدالة!!.
رغم الاختلاف في تصورات الفيلمين الظاهرية، ورغم قرب الفترة الزمنية بين الفيلمين اللذين يحملان أفكاراً تبدو متباعدة ولكنها تعكس روح صانعيها وأفكارهم، مع ذلك  حاز فيلم «12 عاماً من العبودية» على استحسان الجماهير ورضاهم، وعلى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم في العام 2013.