المثقف والموقف المطلوب
من لم يعش حالة السوري وهو يحاول تأمين جرة غاز، أوبيدون مازوت، أوربطة خبز، من لا يكترث بقلق المهاجرين في بواخر الموت لا يستطيع أن يحدد الموقف الصحيح مما يجري، من لم يختبر نفسه في قهر الانتظار على «مواقف السرافيس» في دمشق...،
لا يستطيع أن يحدد «موقف سياسي» صحيح مما يجري في البلاد، من لم يجرب مأساة البحث عن دواء مفقود لمريض يئنّ وجعاً، من لا يحس بلهفة أم بانتظار ابنها الغائب، من لايجيد قراءة الخوف في عيني طفل مشرد، من لايحمرّ وجهه خجلاً من إذلال سوري على أرصفة العالم، وفي المطارات والمرافىء، ويطل علينا من الشاشات جالساً في فندق، أو في مكتب دافىء، أويدبّج مقالاً نارياً، أو يطلق تصريحاً ممجوجاً،، دون أن يتحدث عن حل، لايحق له أن يقدم نفسه كناطق وحيد باسم الشعب السوري، ومنظّراً على الناس يقدم لهم دروساً استعراضية في «الوطنية» أو في «الثورة»..
يتحدث كثيرون عن الـمأساة السورية، ونشهد لهم بقدرتهم على الفصاحة، والإنشاء وتدبيج المصطلحات والمفاهيم والمقولات، يتحدث كثيرون باسم الشعب السوري ونشهد لبعضهم تمكنهم من استمالة عواطف بعض الناس، ولكن قلة منهم يتحدث عن حل حقيقي وواقعي، حل يعيد اللاعب الأساسي إلى الحلبة، حل يفسح المجال لصاحب الوجع أن يصعد إلى المنبر، ويظهر على المسرح، ويتحدث كما يريد، دون أن يكون مجرد«كومبارس».
أربع سنوات ونحن نسمع، أربع سنوات قلتم فيها ما قلتم، ألا يحق للمواطن أن يقول: يجب عم التعاطي مع حياة الناس، وخبز الناس، مع مصير البلاد والعباد على طريقة قراءة الطالع، والتنجيم السياسي..
يجري الحديث مجدداً عن إعادة الاعتبار للحل السياسي، جميع السوريين أمام امتحان وطني، وامتحان أخلاقي، والمطلوب من الجميع وخصوصاً من يضع نفسه في موقع المثقف، المطلوب منه أن «يقول خيراً أو..» والخير كل الخير يكمن فيما يوقف هذا النزيف، فيما يحافظ على البلاد، فيما يؤمن كرامة الإنسان.