لماذا نحبّك يا دمشق؟؟
لماذا يحب الفلسطينيون دمشق؟ لا أدري ولا أدري لماذا أحبها، أنا الذي لم أزرها!!
كلما سمعت الموسيقا قلت: دمشق.. وكلما سمعت صوت الجنود تحت بلكونة البيت قلت: دمشق.. وكلما مرت فتاة تحتضن ديواناً لمحمود درويش صرختُ: دمشق.. وحين التقيت زياد خداش على باب المقهى قبل قليل، يحمل كيس الخبز وما بروحه من ماء، فكرتُ وقلت: نصوص زياد خداش تشبه دمشق، هو «تزوج غيابها»، يعيش ويتنفس ويكتب كأنه شرب كل الماء الذي في دمشق.. لماذا نحب دمشق يا زياد؟
2
يكفي أن أسمع سائق التاكسي في محطة الباص في إربد يقول: «إربد دمشق- إربد»، أو العكس، لأتفقد روحي، لعلها تكون هي التي تنادي، أو ربما أكون قد نسيتها في المقعد الخلفي من السيارة ورجعت دونها إلى فلسطين.
3
يكفي أن يشرب فلسطيني وحيد الماء من دمشق، لأعرف أن شجرة التين في حديقة زياد خداش قد رويت.
4
لماذا يحب الفلسطينيون دمشق؟؟
نحن الحالمين الذين ركبنا الحافلة وتوقفنا منتصف الجسر، دخلنا في حب الشام ولم يخرج أحد منا سالماً، لم نعرف شيئاً عن دمشق، لكننا أحببناها، أحببناها لا مبالية وحيادية وغاضبة، وأحببناها ظالمة، لا ندري سبب الحب.. يكتوي العاشق بالهجر ولا يدري السبب، ربما نحبها لأنها تصنع لنا هويتنا التي نشتهي، أو ربما لأنها تصنع تاريخنا بكل حالاتها، كانت قاسية أو ودودة، طيبة أو هاجرة، وإلا لم قال محمد درويش: «أيّها المستحيل.. يسمونك الشام!!».
5
هل تعرفون الجارات في الصبح؟؟ نحن وسورية جيران، نتبادل التحيات كل صباح ونسأل عن أحوالنا، تماماً كما تسأل الجارة جارتها: «ماذا ستطبخين غدا؟؟».. هكذا تسأل فلسطين سورية: «ماذا ستصنعين للأولاد في الغد؟»، أو ربما تدعو الجارة جارتها لشرب القهوة، فتنادي سورية على فلسطين: «يا فلسطين.. ألا تأتي إلي لشرب القهوة عصراً».. فتجيبها: « حسنٌ.. سآتي بعد قيلولتي!!».
6
كنا منتصف الجسر، لم نر شيئاً، كانت أغصان الروميات تلمع فنقول هذا طريق الجليل، ونرى لمعان الياسمين في الدم فنقول هذا طريق دمشق..
أحببناها كما العجوز في جبهة بيروت، حين يغمض العينين يرى شجرات الزيتون الرومية في الجليل فيهذي: «هذه شجرات أبي الناصري».. يغمض مرة أخرى فيرى دمشق كما الزرع ينبت على الندى فيهذي: «الشام تحبل من الندى»..
الشام تحبل من الندى، إذاً.. نَدُوا ما استطعم لتحبلني دمشق..
7
لا أعرف لماذا أحب دمشق..!
أن أعرف يعني أن أمسك بالغزالة في السهل، يعني ألا أجرب النوم والحلم مرة ثانية.. أن يفقد الشّعر معنى التجربة، وأفقد لذة الهدم.. أن أفقد حلمي في هوية علمانية لفلسطين، أن أعرف يعني أن يكون كل شيء بلا خلل ومثالياً، المواصلات والتوقيت والسياسة والإعلام والأصدقاء والعمال.. يعني أن كل شيء مثاليٌّ ولا حاجة لنا لنبي جديد.
حب دمشق هو النبي، حب دمشق هو الحب.
8
لا أعرف لماذا يحب الفلسطينيون دمشق..!!
يكفي أن أستحضر صديق الظل هناك، لأكتشف ذاكرة أخرى لي، أو لأقول «أنا من هناك ولي ذكريات»،
فماذا يعني أن تكون فلسطينياً وليس بك شيء من دمشق؟؟ ماذا يعني؟؟