الغزالي وبغداد
قدم الفنان الملحن جعفر الخفاف فكرة مشروع إلى وزارة الثقافة، تتلخص بتقديم فن الغزالي بأصوات مجموعة من المطربين العرب، ضمن فرقة أوركسترالية فخمة تضم مجموعة كبيرة من العازفين، وهي فكرة صائبة منبثقة من عقلية موسيقية مبتكرة، تفاعلت معها كونها تجربة عراقية عربية تستحق الاهتمام والتنفيذ وهو مشروع يتعدى الجانب الشخصي إلى خانة المشروع الوطني ورمزية تؤكد حضور العراق في المحافل الدولية..
أرى أن هذا المشروع منسجم تماما مع فعاليات التحضير لمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013.. كون المطرب ناظم الغزالي يمثل رمزاً إبداعيا كبيراً أوصل المقام والأغنية العراقية إلى ضفاف الساحة العربية وهو أول سفير للأغنية العراقية، ويحظى بسمعة طيبة لدى الجمهور العربي ومازالت أغانيه نابضة بالحياة ويستعيد المطربون العراقيون والعرب إبداعاته بتجدد، والمفارقة أنني عندما زرت لبنان سألني أحد المعجبين اللبنانيين بغناء الغزالي، عنه وتفاجأ بموته، فهو حي في نظر محبيه.
ذكر لي الموسيقار سالم حسين عازف القانون في فرقة الغزالي وقائد فرقته الموسيقية، في إحدى حفلاته الخارجية والتي شهدت نجاحا منقطع النظير، انه كان ضمن منهاج الحفل المطربة نجاة الصغيرة والمطرب وديع الصافي.. وكان ترتيب الغزالي، يغني قبل وديع الصافي، لكن الجمهور، بعدما انتهت نمرة الغزالي، غادر كثير منهم القاعة، والكلام على ذمة الموسيقار سالم حسين.. يقول جاءني في اليوم التالي وديع الصافي وطلب مني أن أخبر الفنان ناظم الغزالي رغبة الصافي، أن يغني قبل الغزالي، كون أغلب الجمهور يحضر لسماعه، وفعلا استجاب الغزالي إلى طلب الصافي وسمح له أن يغني قبله.. ويؤكد سالم حسين أن الجمهور، بدأ يطالب بظهور الغزالي على المسرح والأخير هدأ من فورة الجمهور، بأنه أراد تأخير نمرته، كي يستطيع أن يبقى معهم أطول فترة ممكنة، واستمرت الحفلة إلى الصباح، وخرج الجمهور طروبا يترنم «أقول وقد ناحت بقربي حمامة».
من هذه الحكاية نعرف قيمة وقدر سفير الأغنية العراقية الأول ناظم الغزالي، وحضوره الطاغي في الجمهور العربي، ولو امتد عمره ليعيش زمناً أطول، لاكتسح بنجوميته الكثير من نجوم ذاك الزمان، لكن القدر لم يمهله طويلا وتوفي وهو شاب بعمر 42 سنة عام 1963 .. وأرى إعادة تقديم فن الغزالي عراقيا وعربيا بمناسبة كهذه، أي بغداد عاصمة الثقافة العربية، ضرورة فنية ووطنية تعيد إلى الأذهان الصورة المشرقة لرمز إبداعي بغدادي كبير مثل ناظم الغزالي.