هنري ليفي «ثائراً..!»
يسجّل برنار هنري ليفي يوميات الثورة الليبية، من موقعه شاهداً عياناً أولاً، في كتابه «الحرب دون أن نحبّها: يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي» (دار بدايات ـــ دمشق، ترجمة سمر محمد سعد).
لكن ما إن يمض ليفي إلى الأمام قليلاً، في توضيح كواليس ومجريات الأحداث في الفترة بين 23 شباط و20 أيلول2011 حتى يحضر هذا الكاتب الفرنسي المثير الريبة كصانع للحدث، ومحرّك لخيوطه المتشابكة، منذ أن قرّر الذهاب من «ميدان التحرير» القاهري إلى بنغازي، ليس بوصفه صحافياً ميدانياً، بل محرّضاً على الثورة ضد القذافي.
وفي الكتاب تتناوب ثلاث شخصيات أساسية، هي لورنس العرب، وأندريه مالرو، ودون كيخوته، تتناوب في مرآة الفيلسوف الصهيوني برنارد ليفي.
وفي مقدمة الكتاب جدد ليفي عدم ندمه على تأييده الثورة الليبية ضد «مجرم وإرهابي أنتج الإسلام السياسي» على حد تعبيره، وأضحى ليفي عاجزا عن قراءة مستقبل الربيع الليبي بعد رحيل الطاغية، وهو ما يؤكد حقيقة الصراع القائم بين دعاة إسلام معتدل وليبراليين منفتحين على ثقافة الأنوار وحقوق الإنسان وثوار آخرين راديكاليين يشكلون الأقلية في تقديره.
والحرب التي أيدها ليفي ضد القذافي دون أن يحبها لم تكن خياراً، والتاريخ الليبي الذي يكتب من جديد لا يمكن أن يخلو من تطرف وتزمت جديدين، ورغم ذلك يبقى أمل ولادة الديمقراطية العسيرة أمرا ممكنا ومعقولا، ولو في ظل امتحان جديد مفتوح على آلام أخرى تفرضها المصالح المرتبطة بظلام الماضي وضوء الحاضر بغض النظر عن درجة إشعاعه الحالية.
وتضمن الفصل الثالث «التورط» وصول ليفي يوم 27 أيار إلى مصراتة الشهيدة قادما إليها من مالطا ومقارنته المدينة بخراب فيكوفار البوسنية وتواجده على جبهة رأس لانوف، وقلق ثوارها على تأخر وصول طائرات الهيلكوبتر الفرنسية لسد هجوم جيش القذافي، ومعايشته وصول الجرحى والموتى إلى المستشفى وخروجه الاضطراري منه حتى لا يتقيأ كما حدث له في أجدابيا بسبب عدم تحمله مناظر الإصابات القاتلة التي تعرض لها الثوار.
وأنهى ليفي كتابه بفصل رابع عنونه «الانتصار»، وضمن الفصل الأخير وصوله إلى جبل نفوسة منطلقا من جربة التونسية يوم 15 تموز ومرورا بتمزين ونالوت وجويبية وزنتان المحررة حيث كان في استقباله الجنرال عبد الفتاح يونس، ووصف ليفي كعادته خراب فلول القذافي بدقة متناهية صالحة للكتابة السينمائية والروائية قبل وصوله إلى طرابلس التي كان لا بد من تحريرها شريطة توفير إعانة عسكرية إضافية لتحرير مصراتة، حسب الجنرال رمضان زرموح «مفتاح طرابلس هو مصراتة».
في العدد القادم ستكون لنا وقفة موسّعة مع هذا الكتاب.