معادلة الشـابي
عبد الإله عبد القادر عبد الإله عبد القادر

معادلة الشـابي

 لا بد من العودة بين الحين والآخر إلى أبي القاسم الشابي، وإعادة قراءة سنوات حياته القصيرة أمام غزارة إنتاجه الشعري وإعجازه وإبداعه. حياة الشابي قصيرة جداً، فالولادة في قرية الشابية في جنوب تونس عام 1909.

والوفاة في العاصمة تونس عام 1934، أي مجموع سنوات العطاء لا تزيد على 8 سنوات، وإذا ما نظرنا لظروف المرض في سنواته الأخيرة فقد تقلصت سنوات عطائه إلى نحو 5 سنوات فقط، استطاع الشابي خلالها أن يحتل مكانة متقدمة بين شعراء القرن العشرين، وأن تتعدى قصيدته حدود تونس، لتصل إلى أقصى قرية عربية، منشدة مع الشاعر تصميمه ووطنيته وإصراره على النصر:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة/ فلا بــد أن يستجيب القدر

ولا بـــد للـيل إن ينجـــــــلي/ ولا بــــد للقيـــد أن ينكسر

العجيب أن حكام تونس لم يدركوا ما طرحه هذا الشاعر قبل قرابة قرن من الزمن، رغم أنهم رددوا هذه القصيدة ولم يدركوا معناها ومغزاها، فأسقطهم شعب تونس مؤكداً قصيدة الشابي الخالدة ورماهم في مزابل التاريخ.

أما نحن فقد حفظناه صبياناً في إطار المنهج المدرسي وفي مظاهرات الرفض خلال الخمسينيات والستينيات، إلا أننا أدركنا إنجازه الشعري بعد أن تعلمنا مدى الإنجاز في قصيدة الشابي. كان الشابي موهوباً منذ الولادة ومنذ بدأ يقرض الشعر وهو ابن الخامسة عشرة، في قصيدته الأولى التي مطلعها:

أيها الحب أنت سر بلائي/ وهمومي وروعتي وعنائي

كان الرجل صلباً أمام المرض الذي قضى عليه شاباً، لكنه لم يترك زمنه أيضاً ومصيره، فهو مثل الماسك بالجمر في موقفه من المعوقات الاجتماعية ومحاربته للمرض الذي كان يكسر جناحيه، ولكنه لم يستطع أن يغيب وعيه وحساسيته التي امتاز بهما، اجتمع كل ما ذكرناه اختصاراً ليصبح عنواناً لمسيرة الشاعر ومنهجه.

في الدياجي.. كم أناجي

مسمع القبر بغصات نحيبي وشجوني

ثم أصغي علني أسمع ترديد أنيني

فأرى صوتي فريد

فأنادي .. يا فؤادي

مات من تهوى وهذا اللحد قد ضم الحبيبة

ترى أي عذاب تحمله الفتى الشاعر، وأي سحر كان يملكه، لا ندري لو امتد به العمر هل ستظل مقومات شاعريته السحرية تمتد معه؟

وهل بقي حراً وهو صاحب القصيدة التي أنشدها كل أحرار العرب في مشرقهم  ومغربهم؟