بين قوسين فيلسوف وجاسوس ومغامر
فيما كان العرب بقيادة الشريف حسين يتطلعون إلى الدولة العربية المستقلة، كان الانجليز والفرنسيون يطهون وليمة «سايكس بيكو» لتقاسم الكعكة الجغرافية الدسمة، فذهبت أحلام العرب في الاستقلال مع الريح. طوال أشهر «الربيع العربي» كنت أُفتّش عن «لورانس» آخر، يعمل في المطبخ السرّي، إلى أن وجدته أخيراً باسم «هنري- برنار ليفي»، الفيلسوف الفرنسي اليهودي والصهيوني علناً.
ظهر هذا المغامر بقوة أثناء الثورة الليبية، ليتكشّف لاحقاً بأنه في طليعة الحدث، بل هو الصانع له بصفاقة لا يحسد عليها. النسخة العربية من كتاب ليفي» الحرب دون أن نُحبّها: يوميات كاتب في قلب الربيع العربي» تضيء الخطوات التي قادت إلى إشعال الفتيل الليبي، والتحريض الشخصي الذي لعبه ليفي في إقناع الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي في تبني الهجوم على ليبيا، لكن الفيلسوف في يومياته يصادر أدوار الجميع بمن فيهم المجلس الانتقالي الليبي ليتزعم المعركة وحده، في أقصى حالات تضخّم الذات. بدءاً من هذه اللحظة سيستعير الفيلسوف اليهودي المولود في الجزائر (1946) صورة «لورنس العرب» مفجّر الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين في عشرينيات القرن المنصرم، وبالطبع أندريه مالرو الذي استعار منه عبارته المعروفة كعنوان لكتابه، وسوف يتناسى عمداً صورة الفارس الجوّال «دون كيخوته» في مغامراته المجنونة. ثلاث شخصيات تتناوب في مرآة «فيلسوف الحرب» وهو يصنع التاريخ على هواه. سيطمئن أصدقاءه الإسرائيليين أن ثوار ليبيا الجدد لن يكونوا أعداءً لدولة إسرائيل، ويبدد مخاوفهم من «الربيع العربي». يسأله وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان «ولماذا سنُقلق ملك الأردن الشاب، فضلاً عن الملك السعودي العجوز الذي تُقيم إسرائيل معه علاقات سريّة، والذي يعيش الرعب من رؤية الربيع العربي يجرف عرشه؟»، ثم يعود إلى مواقعه في الميدان لتحريك خيوط اللعبة مجدّداً. مقابلات مع زعماء الثوّار، وخطابات حماسية في ساحات المدن الليبية الثائرة، تنتهي بحمله على الأكتاف بوصفه بطلاً، والمطلوب رقم واحد من القذافي مقابل مكافأة مجزية. لكنه لن يعبأ بالمخاطر، ولن يتردّد لحظةً واحدة في إكمال مهمته، فيما يتبعه الآخرون كالمسرنمين. خارج أوهام هنري ليفي، ينبغي أن نقول أخيراً: إذا كانت هناك ثورات عربية حقاً، ففي المقابل: هناك من خطف هذه الثورات وقادها إلى أرض من الرمال المتحرّكة.