شباب «المهرجانات: الهامش يعبّر عن نفسه
على الأطراف، بعيداً من قلب القاهرة بقوانينها ومنشآتها وضوضائها، ظهرت تجمعات سكنية، شكلت ما يشبه المدن الصغيرة خارج تخطيط المدينة، وبلا أي رغبة في الاندماج من قبل أبنائها النازحين من محافظات مصر المختلفة..
لم تستوعبهم العاصمة، ولم تؤمن لهم الجغرافيا متسعاً للذوبان داخل تفاصيل المكان.. الطبقة الدنيا راحت تعيد تشكيل نفسها في العاصمة، والعشوائيات السكنية التي ظهرت على أطرافها صارت تملك عالمها الخاص وقوانينها، وفنونها وتفضيلاتها الجمالية. في هذه المناطق، ولدت الأغنيات التي كسرت الحصار، فانتشرت في السنين الثلاث الأخيرة الأغنيات المعروفة في الشارع المصري باسم «المهرجانات».
البداية كانت مع ثلاثة شبان ينتمون إلى مناطق «مدينة السلام» و«عين شمس» و«المطرية» في أطراف القاهرة الشمالية: فيفتي الشهير بالأسطورة، والسادات الشهير بالعالمي، وعمرو حاحا الشهير بالدكتور. بدأ الأمر على يد فيفتي الذي سجّل كلمات المهرجان الأول على كمبيوتر أحد أصدقائه وسماه «مهرجان السلام»، تتحدث الكلمات عن الأصحاب: «اصحى لمهرجانا/ مهرجانا مهرجان أصحاب/ ولا ولا تعالى هنا/ يا عيني على الصحاب/ داخل ما بينهم واحدة/ فرقتهم واحد ورا واحد».
جاءت تسمية هذه الأغاني باسم «المهرجان» لأنّ موسيقاها تعبّر عن حالة المهرجان الغنائي، وأيضاً بسبب إمكانية مشاركة أكثر من مؤد في أغنية واحدة. يردون وينادون بعضهم على بعض بـ «كوبليهات» مختلفة، بالإضافة إلى إمكان دمج الراب والشعبي في أغنية واحدة.
من محل إصلاح أجهزة الخلوي في عين شمس، انتقلت الحكاية من مجرد تجربة فردية لمجموعة شباب، إلى نوع موسيقي جديد يفرض وجوده على الساحة المصرية، والعالمية.
هنا، تعلّم عمرو حاحا كيفية توليف النغمات الموسيقية التي تستخدم كرنات للأجهزة الخلوية كي يروّج بضاعة محله. تدريجاً، انتقل شغفه إلى برامج التأليف الموسيقي والتوزيع المتوافرة على الإنترنت. ومن هنا التقط بعض المغنين في منطقته، قدرته على تأليف النغمات، فخاضوا تجربة تلحين وتأليف الأغنيات بطريقة حاحا الجديدة، التي تضيف المؤثرات الصوتية الإلكترونية. قبل عقدين، كانت هذه الأدوات نقلة في عالم الموسيقى والتوزيع على يد حميد الشاعري. اليوم بعد انتشار برامج التوزيع والمؤثرات على الإنترنت، صارت متاحة لكل الراغبين في خوض هذه التجربة، ومنهم عمرو حاحا الملقّب بـ «دكتور المزيكا». انتشرت أعمال هؤلاء على الإنترنت، وكانت الأغنية ترفع على الشبكة العنكبوتية، فيتم تنزيلها بمعدل 50 ألف مرة في الأسبوع الواحد. وبفطرتهم رفضوا تجحيم مشروعهم الغنائي عن طريق شركات الإنتاج، فآثروا أن يبقوا على الإنترنت، ومنه أقاموا حفلاتهم على المسارح الكبيرة في القاهرة.