أين نحن اليوم؟
رجال المدينة، الفيلم التسجيلي للمخرج «مارك إيزاكس» يقارب فيه حياة أربعة رجال يعيشون في لندن مدينة الضباب سابقاً، و مدينة القلق و الأزمات اليوم. الرجل الأول هو ابن لعائلة بريطانية نبيلة مغرقة في التقليد والرجعية، ولكونه يعمل مديراً مالياً في بورصة لندن فقد رهن حياته لأسعار العملات و السندات، تظل عيناه معلقتين على شريط الأسهم في الليل والنهار
وتتحول حياته الاجتماعية بالمقابل إلى جحيم يكاد يخسر فيه زوجته و أبناءه، إذ تقوم إدارة البورصة، تحت تأثير الأزمة الاقتصادية، بتسريح عدد من المدراء و الموظفين فتشتد المنافسة اللا أخلاقية وفي أسوأ أشكالها بين الجميع ويصبح نهاره جحيماً يمتلئ بالقلق والشجار مع كل من حوله. بينما يعيش الرجل الثاني حالة حرب دائمة مع المستدينين المفلسين طوال نهار عمله في دائرة تحصيل الديون في أحد المصارف، ليعود مساء للاعتناء بزوجة تعاني مرضاً نفسياً محاولاً إبقاءها حبيسة المنزل، لا تغادره إلا لعيادة الطبيب. ويقضي وقته كل يوم بوضع خطة جديدة ويستبدلها بأخرى، بهدف إيجاد عمل آخر يوفر تأميناً صحياً له و لزوجته. أما الرجل الثالث فهو عاطل عن العمل، يمضي وقته في إجراء مقابلات عمل بلا جدوى، بعد تسريحه من إحدى الشركات المالية. يستمتع أصدقاؤه بالطرائف والمقاطع الأدبية التي يكتبها ليلاً ويضحكون بشدة وهم يسمعون نتائج بحثه اليومية عن المعنى الفلسفي لكنس الشوارع.
بين المقاطع التي تصور الحياة اليومية للرجال الثلاثة الذين لا تربطهم أية علاقة شخصية يمشي الرجل الرابع، عشر ساعات في اليوم حاملاً يافطة كبيرة لمحل وجبات سريعة وهو يضحك ويقول مصيبتي أخف فانا لست رجلاً إنكليزياً على الأقل. أنا مهاجر شرعي من البنغال!
بقي أن نشير إلى أن الفيلم صور وأنتج عام 2009 في بريطانيا و كانت آثار الأزمة الرأسمالية لا تزال في بدايتها، و عندما عرض هذا الفيلم في بيروت السنة الفائتة بحضور المخرج قدم له قائلاً: حدثت هذه الوقائع منذ ثلاث سنوات ولكن هل تدرون أين نحن اليوم؟