بين قوسين: «ويكيليكس»
كانت وكالات المخابرات العالمية تكشف عن وثائقها السريّة بعد مرور خمسة وعشرين عاماً، وأحياناً بعد خمسين عاماً، على وقائع وحوادث مؤثرة. اليوم بفضل مواقع الإنترنت وعدسات الديجيتال المتطورة وشاشات الهواتف النقّالة، ومراسلي المحطات الفضائية، والهاكرز، أو قراصنة الانترنت، باتت أي وثيقة سريّة في متناول الجميع، لحظة حدوث الفضيحة، أو بعد وقوعها بقليل. هذا تطور
مهم في فضح الانتهاكات التي تقع على أفراد أو جماعات، في أي مكان من العالم، ولكن ما أثاره موقع «ويكيليكس» فاق كل التوقعات، إذ وصل عدد الوثائق التي كشفها مدير الموقع جوليان أسانج نحو400 ألف وثيقة عن انتهاكات إنسانية حصلت في عراق ما بعد الاحتلال. رغم ذلك فإن توقيت نشر هذه الوثائق يبدو مريباً، إذ أتى مع صخب الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، ما يبدو وكأنه فضيحة للجمهوريين في عهد بوش الآفل، لمصلحة الديمقراطيين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سنستغرب حالة الذهول التي أصابت محللين سياسيين من هول حجم الانتهاك، وكأننا لا نعلم ماذا يجري في العراق من مجازر ومذابح وانتهاكات. لنتذكر ما فعله جندي أمريكي في فضح انتهاكات القوات الأمريكية ضد مدنيين عراقيين، حين صوّر بكاميرته الخاصة حادثة قتل بدم بارد، وقبل ذلك الصور التي تم تهريبها من سجن أبو غريب في تعذيب السجناء والمعتقلين العراقيين. لاشك أن الموت العراقي قد بات مألوفاً، إذ لابد أن تكحّل عيوننا المحطات الفضائية يومياً بمجزرة عراقية كنوع من المشهيات الإخبارية قبل الوليمة القادمة في تفاصيل النشرة.
بعيداً عن غموض موقع «ويكيليكس» ومقاصده في توقيت نشر هذه الوثيقة أو تلك، فإن وجود مواقع الكترونية بالجملة تقوم بفضح انتهاكات حقوق الإنسان، في هذا البلد أو ذاك، يبدو أمراً طيباً، ذلك أن ضحايا بالآلاف كانت تُدفن بصمت، من دون أن يذكر أحد مآسيها، أو هويتها، أما اليوم فإن هذا البرلمان الشعبي أطاح بمركزية الوكالات الاستخبارية، وأخذ يتلقف هذه الوثيقة أو تلك، ويضعها في واجهة الحدث، أما ما يحدث من توضيحات لاحقة أو نفي لصحة وثيقة ما، فإنه لم يعد مفيداً أو مقنعاً للرأي العام، فللفضيحة أرجل، ولنفيها عكاز مكسور!