مثقف.. واقعي جداً
كتب وهو طالب في الأول الثانوي أول نص يثبت قدرته على الإنشاء، وقد تضمن نصه البكر هذا الذي جاء على شكل تقرير من النوع الطوارئي، التفاصيل الكاملة لجلسة عابرة لزملائه في الصف نحت دون عمد للسخرية من الحكومة.. وكان من نتيجة إبداعه المرهف أن سيق الزملاء الساخرون من صفوفهم إلى بيت خالتهم، وعادوا منه بعد ثلاثة أيام نصف معتوهين..
لكن حياته الإبداعية الفعلية بدأت بعد حصوله على إجازة في الصحافة، التي نال شرف دراستها لتحقيقه كامل متطلباتها في ذلك الحين بالإضافة لبعض العلامات الداعمة، حيث راح يشتم الأمريكان والصهاينة والعملاء دون هوادة بقلم حر لاذع، ويمجد المناضلين في جميع الوزارات والإدارات و(الفروع)، ويحيي الأبطال المخططين والمنفذين في قطاعات الاقتصاد والخدمات والإعلام والثقافة والقضاء ومجلس الشعب والإدارة المحلية...، ويفضح لصوص المنازل، ومشرّدي الشوارع، ومسرّبي أبناءهم من المدارس، والنشّالين في الطرقات، وزعران أبواب المدارس، ومعادي التقدم والاشتراكية، والحشاشين في الأحياء الشعبية، وحافري الآبار في الأرياف دون رخص نظامية، والمهرّبين على البغال في الجبال والأودية... حتى علا شأنه، وزاد وزنه، وتهدل كرشه، وغارت رقبته في جسده، ومع هبوب عواصف التغيير، تعب قلمه من كثرة النضال في مهنة المتاعب، فانزوى في شقته الفاخرة في مشروع دمر التي حصل عليها بعرق جبينه.. ولم يعد أحد يسمع عنه شيئاً..
مؤخراً، ظهر مبدعنا الواقعي في مقاهي المثقفين، منظّراً بشجاعته المعهودة لليبراليين الجدد، ورجال الأعمال الذين تربطه علاقة وثيقة مع آبائهم الثوريين القدامى.. وهو يخطط الآن أن يعود عن الاعتزال، فالنضال لا يحتمل التواني..