لأنني ليلي مارلين.. ولأنها بلغراد
دقت الساعة العاشرة ليلاً إلا خمس دقائق، الجباه والبنادق تنمشت بالغبار والدم، أوقفوا القتال قد جاءت ليلي مارلين....
«أمام المتاريس أمام البوابة الكبيرة
كان مصباح الشارع مازال واقفاً أمامهما
لذا سوف نرى بعضنا هناك مجدداً
بالقرب من مصباح الشارع سوف نقف
كما كنا نفعل سابقاً
أنا ليلي مارلين.....».
هكذا.. كل يوم مع صوت المغنية «لالي أندرسن» المحلق في فضاء الحرب، يغني الجنود في الحرب العالمية الثانية، في البرد القارس... بين الثكنات الصاخبة، هناك يعرفون مامعنى هذه الأغنية ويغنون سوية في الليل، بلكنات ولهجات مكسرة، مع رشفة من الكحول المسروق في إحدى المعارك ربما، والمخبأ لهذه اللحظة السريالية في الخنادق، يغنون الحنين الذي مل الانتظار...
وُجٍدتْ هذه الأغنية بأسطوانة مغبرة في راديو بلغراد بعد سيطرة النازيين عليه، وأصبح بث هذه الأغنية عادة يومية أثارت سخط وزير البروباغاندا الإعلامية للألمان، فأمر بإيقاف بثها لأنها لم تكن عسكرية بما يكفي..!
ولكن سرعان ما انهالت الرسائل الرافضة لهذا القرار على الإذاعة، مما ألزم المعنيين إعادة بثها مرة أخرى..!
تجاوز الأثر النفسي لهذه الأغنية الجنود الألمان، وأصبحت تُسمع حتى من جنود الحلفاء في أفريقيا. حيث كانت تمثل لهم قارةاسمها أوروبا -هي موطنهم- بكل جمالها ورونقها، وبإحساس حنيني بأنهم قد لايرونها أبداً في حياتهم، وارتبطت هذه الأغنية- كما يتضح من مذكرات الجنود- ارتباطاً وثيقاً ببلغراد.
في خضم الصراع على بلغراد، أُذيعت هذه الأغنية يوماً بعد يوم في العاشرة ليلاً كشارة لنهاية البث في الإذاعة، فبدأ الجنود الألمان يودعون بلغراد، وصوت لالي أندرسن مغنية « أنا ليلي مارلين»، وأقبلت جيوش دول الحلفاء على بلغراد يحلمون بالفتاة المنتظرة تحت مصباح الشارع تغني لهم.
كانت بلغراد هدفاً هاماً في الحرب، إن سيطروا عليها انتصروا، وجسدت أغنية الحب هذه التي لا يفهمون معناها هوسهم ببلغراد، كما كانت خسارة النازية لبلغراد تعني وداعهم «ليلي مارلين» إلى الأبد.
لكن ما الذي تفعله أغنية ألمانية من الحرب العالمية الثانية في فيلم صربي عن الحرب الأهلية في التسعينيات؟؟
أعاد كوستاريكا، المخرج الصربي المبدع، ذكر هذه الأغنية في فلم «تحت الأرض،underground» واستخدمها كرمز للدلالة على الصراع الجديد على بلغراد في مشهد سينمائي يجسد جنازة تيتو في هذه المدينة، حيث اجتمع كل قادة العالم ومن كل الأطراف والمعسكرات مرة أخرى في المدينة لحظة ضعفها هذه، كما اجتمعوا على بلغراد في الحرب العالمية الثانية، وفي بالهم شيء واحد: الآن وبعد وفاة تيتو، السيطرة على بلغراد أصبحت ممكنة، والسيطرة على أوروبا وهزيمة المعسكر الآخر أصبحت ممكنة. تيتو هو أحد عشاق «ليلي» وأحد جنود الخنادق في بلغراد، عندما قاد حركة المقاومة الشعبية ضد النازيين، تيتو محرر بلغراد وموحد يوغسلافيا تحت ظل الشيوعية والعدالة الاجتماعية، كان لابد لـ«لاري أندرسن» أن تعود للغناء لتيتو ولبلغراد ولصراع جديد رسم فوق قبره، كما غنت لفتيات كثر سيعدن للانتظار، ووطن سيبكي أبناءه، وجنود ستعود للخنادق لتمارس الحنين والانتظار، تنتظر النصر، وليلي مارلين «لإنني أنا ليلي مارلين......... ولإنها بلغراد..!»