أبو جانتي، حواديت المشاوير، القيادة إلى زيغزيغلاند التكسي حيزاً عاماً وفق رؤى مختلفة
منار ديب منار ديب

أبو جانتي، حواديت المشاوير، القيادة إلى زيغزيغلاند التكسي حيزاً عاماً وفق رؤى مختلفة

سيارة الأجرة حيز شديد العمومية فهو متاح لمعظم الناس رغم اختلاف أسعار هذه الخدمة بين بلد وآخر ومدى شيوعها، وليس من شروط خاصة للوجود المؤقت في هذا الحيز المتحرك، لذلك فهو يوفر تفاعلاً اجتماعياً ممكناً بين أنواع مختلفة من البشر، وليس لمزاولي هذه المهنة من السائقين مؤهلات غير اعتيادية فهم أيضاً ينتمون إلى خلفيات متنوعة، ولما كانت الفنون الدرامية ترتاح للتنميط في الغالب فقد بقي لشخصية سائق التكسي إغراؤها من ناحية إمكانية وسمها بصفات ثابتة كالشقاوة والثرثرة والشعبوية ما يسهل الحصول على تأثيرات كوميدية ومن ناحية تغير وتجدد النماذج التي تلتقي بها وتتعامل معها وردود فعلها في إطار هذا التعامل.

أثار المسلسل السوري «ملك التكسي» أو «أبو جانتي» استياءً في الصحافة المحلية، وبعيداً عن الهجمات المتبادلة بين البطل المطلق للعمل سامر المصري ومنتجه وأحد مؤلفيه وبين الإعلام بسبب تفصيله للمسلسل على قياسه بالدرجة الأولى، فإن الشخصية نفسها، أبو جانتي، مثلت بطولة أكبر من حجم سائق تكسي بسيط بعشرات المرات، فأبو جانتي ورغم امتلاكه لبعض الصفات النمطية للشوفير في الدراما، إلا أنه يبدو متعففاً عن أية مكاسب وكأنه يمارس السياقة على سبيل الهواية ويدور في شوارع دمشق أو الشام كما يؤكد العكيد السابق بهدف إصلاح المجتمع لا كسب رزقه، فيما تبدو الصعوبات الواقعية غائبة فلا مشكلات مع الشرطة ولا خناقات مع الركاب على بضعة قروش وعداد، أما النماذج البشرية وقصصها التي يوفرها الركاب المختلفون فتتجه بؤرتها إلى السائق الثابت بدلاً من أن يحدث العكس، فتدخل أبو جانتي هو الذي يحدث فرقاً في أية قصة والأخير ليس مجرد مستمع، بالتأكيد للسائق قصته لكنه في هذا المسلسل هو كل الحكاية. عمل المخرج الشاب ميار الرومي في فيلمه التسجيلي «ستة قصص عادية» (الخطأ اللغوي مقصود) على ست حكايات لستة سائقين وعرض علاقتهم المتأصلة أو العرضية مع هذه المهنة وهشاشة وضعهم الاقتصادي ولم يتطرق بالكاد إلى العلاقة مع الركاب، والسائق في هذا العمل الحي غير المتخيل بعيد مسافات ضوئية عن بطولات أبو جانتي.

الفيلم التسجيلي الفني «القيادة إلى زيغزيغلاند» Driving to Zigzigland  يقوم على قصة حقيقية للفلسطيني الأمريكي بشار دعاس الذي حاول أن يصبح ممثلاً في فلسطين فوجد نفسه سائق سيارة أجرة في لوس أنجلس غير بعيد عن هوليوود التي عمل فيها كومبارس مع زيادة الطلب على العرب للقيام بأدوار الإرهابيين بعد 11 أيلول وهو الأمر الذي ظل بشار يرفضه، تجري أحداث الفيلم الأساسية خلال 24 ساعة يسعى فيها بشار لجمع مبلغ لتسديده لدائرة الهجرة حتى لا يطرد من الولايات المتحدة، وبشار الذي لديه قصة خاصة متعددة الأبعاد يلتقي بنماذج عديدة من البشر وبسبب سحنته ولكنته سيكون السؤال عن المكان الذي أتى منه متوقعاً، وستعرضه هويته كمسلم وعربي وفلسطيني لضروب من سوء الفهم خاصة إن المشوار القصير للراكب عادة لا يتيح الفرصة لشروح مستفيضة في ظل تباعد ثقافي وفي لحظة تاريخية معينة ولدى شعب مشهور بمعرفته المحدودة بما يدور في الخارج وسيطرة أفكار مسبقة قوية على قطاعات واسعة منه بتأثير الإعلام والنفاق السياسي، من هذه التركيبة الذكية تأتي كلمة العنوان «زيغزيغلاند» فالأمريكي العادي قد لا يعرف فلسطين وإذا عرفها فسيربطها بأفكار سلبية إنها المكان الذي يفجر الناس فيه أنفسهم بحسب أحد الركاب، وليريح بشار نفسه فإنه يقول إنه من «زيغزيغلاند» التي يوضح مرة أنها تقع بين إسبانيا والصين ويتكلم أهلها اليابانية، فيما توحي الكلمة بالمسارات المتعرجة والمجهول.  

إذا كان «زيغزيغلاند» يقيم توازناً بين حكاية السائق وحكايات الناس والتفاعل فيما بينها، فإن كتاب المصري خالد الخميسي «تاكسي. حواديت المشاوير» مروي على لسان الكاتب الراكب فيما يشبه تحقيقاً صحفياً، وهو يعرض أفكار وقصص السائقين التي من الواضح أنها خضعت للتحرير والإضافة الخيالية، لكنه ينجح في تقديم وهم عكس نبض الشارع كون السائقين فئة شعبية نموذجية، وهو يعكس التذمر الشعبي من السياسات الحكومية في معالجة الهموم المعيشية، كما ينقل نقداً سياسياً حاداً وصريحاً أحياناً للحكم رغم اتصاف هذه الفئة بالحذر في العادة، ضمن خلطة من النكات والحواديت والآراء الطريفة والثاقبة في بعض الأحيان للسائقين في موضوعات مختلفة تتصل بحياتهم.