يحدث في العاصمة.. يومياً
تتصارع امرأتان محافظتان تقودان سيارتين حديثتين على موقع ضيق بالكاد يتسع لركن سيارة صغيرة، تبدأ كل منهما الجدل والسجال بمحاولة إثبات أحقية الركن، ثم تأخذان بالتناوب باستعراض أخلاقهما الفاضلة وتربيتهما المتأصلة التي لا تسمح لكلتيهما بالسفاهة، ثم تشرع كل منهما باتهام الأخرى بالوقاحة وقلة الأدب ومخالفة قوانين السماء والأرض، لتعلو الشتائم المحافظة بداية، لتتبعها على الفور الشتائم (الشعبية) التي ستنكر كلتاهما لاحقاً في المجالس المحافظة الراقية أنها يمكن أن تتلفظ بها.. بعدها تترجل الاثنتان كل من سيارتها وتتجه نحو الأخرى غاضبة حانقة مزمجرة بغاية شد الشعر وتمزيق الملابس، ولولا تدخل بعض المارة والسائقين الآخرين الذين اصطفوا طوابير خلفهما، لحدث اشتباك دموي..
بعد قليل تنسحب الخاسرة التي أقنعها الآخرون أنها العاقلة، وهي تستغفر وتقرأ المعوذات.. وتركن المنتصرة سيارتها بارتباك بمساعدة شاب فضولي، وهي تبسمل وتحوقل وتردد الأدعية المهدئة للأعصاب..
في الشارع ذاته، في الجسر الأبيض بدمشق، تحدث كل يوم عدة اشتباكات بين سائقين وسائقات من مختلف الأعمار والمستويات والأمزجة والشرائح والثقافات والأزياء واللهجات.. وفي اللحظة الحاسمة، لحظة الغضب القصوى، يبدون جميعاً متشابهين لدرجة التطابق، سلوكاً ولغة وحججاً.. وتسقط كل الأقنعة بسبب موقف.. موقف صغير.. صغير جداً.. موقف ليس أكبر من مساحة لركن سيارة.. بينما يستمر اتخاذ القرارات، القرارات المنفلتة من عقالها ومن كل منطق، في مكان آخر.. مكان بعيد عن الأزقة والضجيج والصراعات الجانبية..