براعم الكرز
تفتتح المخرجة الألمانية دوريس دوري فيلمها لعام 2008 مع صوت حفيف براعم الكرز، وبإحساس يأسرنا طوال لحظات المشاهدة، يرافقه صوت «ترودي» بداية قائلة: «لطالما رغبت أن أذهب معه إلى جبل الفوجي»
«رودي» و«ترودي» زوجان في خريف العمر، يمارسان الرتابة في هدوء الريف الألماني المستفز، تخبئ «ترودي» الزوجة شغفاً في خزائن العمر، وتفتحها أحياناً ليزهر الكرز في قلبها للحظات ويسقط بعد ذلك مع الواقع.
تحملنا هذه الحكاية معها في تراجيدية تأملية، تعكس اندماج الشرق مع الغرب من جبال الألب إلى جبال الفوجي اليابانية.
يواجه الزوجين مأساة فقدان الآخر، أحدهما في احتمال الفقد، والآخر في الواقع. تدخل معادلة الموت فيضطر الزوجان لزيارة الأولاد بخدعة من «ترودي» لتكون تلك الزيارة بمثابة طقس من طقوس الوداع.. الوداع الذي لامجال للتفكير فيه ضمن مجتمع استهلاكي جشع، تنعدم فيه المشاعر الإنسانية الصادقة وتنقطع الروابط الأسرية، تصل رحلة الزوجان إلى نهايتها على شاطئ بحر البلطيق، حيث تراقص«ترودي» ظلها رقصة الوداع المنفردة مع الموت، رقصة «البوتو اليابانية»، ومن خلال ابتسامتها تبلغ ذروة الإبداع المنسي في خزائن العمر.
بينما يجد «رودي» الزوج نفسه وحيداً تائهاً ضمن حياة لم يتخيلها أبداً دون شريكته»ترودي» منسقة تفاصيلهما المشتركة، وهنا يقوم بلملمة تفاصيل حبه، ويرحل في رحلة الحج نحو الصفاء.. نحو «جبل الفوجي»،آملاً بمحاكاة شغف زوجته المدفون.
رحلة تشاركه فيها الشابة اليابانية «يو»، التي أدمنت رقصة البوتو هرباً من الفقر والبؤس الذي تعيشه ضمن البؤر المهمشة في العاصمة اليابانية طوكيو، في حين اعتادت أن تراقص ظل أمها التي كانت غارقة في ثرثرات النساء ومشاغلهن الدنيوية.
تقول «يو» : « كل أمرئ يستطيع رقص البوتو، كل امرئ له ظل».
تعيد «يو» ربيع العمر إلى خريف «رودي» في موسم براعم الكرز، يمسح جبل الفوجي خجله المعتاد لينظر في رقاد مرآته، وهنا يرقص «رودي» مع ظله رقصة الوداع الأخيرة، في مشهد ذي إيقاع يخترق العواطف، نلتمس فيه تفاعلاً غريباً ما بين الأسى والسعادة.