بين السيرقوني و السيكلما: أين نظارتي؟
جالسة على طرف الجدار متكئة بكل استرخاء، تسمع أصوات ثغاء صغار أختها، ماااااء، يا للروعة ما أجملها من حياة، يمر جارها يا له من تيس مهيب، إنه يترك انطباعاً لا ينسى كلما مر، وهي ما زالت حتى اليوم تحسد جارتها عليه.
تحركت بتثاقل ووقفت تتنسم الهواء العليل، هواء بارد مفعم بأجمل روائح الأزهار البرية، يا الله !!! مرت قرب بيت الطبيب على الدرب الشمالي، صبحت عليه وتمنت له نهاراً سعيداً، إنه حقاً متفانٍ في عمله، أصبحت تتمنى حقاً نوعاً من التغيير في هذه الحياة حتى لو كان سلبياً، فهذه الحياة «الوردية» كما يقول الطبيب ليست الخيار الوحيد، أخذت تتذكر حديث الجدات العتيق حول صعوبة الحياة ومآسيها في زمنهن.
إذا كانت الجدة معزانة تقول: مرقنا بليلة مثل قفا الكيلة، برد وعتم وجوع ما في دوا للموجوع، عادت إلى رشدها، لا ... لا، حتماً لا أريد ذلك، وتشوش فكرها حتى تعثرت بحجر ووقعت على الأرض واصطدم رأسها بحجر كبير وطارت نظارتها الجميلة إلى أسفل الوادي، تابعت نظارتها وهي تطير وتتكسر على الحجارة والصخور وقلبها يتقطع معها، لم تستطع أن ترى أي شي من شدة توترها سوى منظر نظارتها المتراقصة في الهواء، خطر ببالها الطبيب مباشرة، يا إلهي ماذا سيقول؟؟!!
كيف سأبرر له ضياع نظارتي وهو الذي قال لأمي يوم مولدي، كما قال لكل عنزات الجبل وتيوسه: أضيعوا حياتكم ولا تضيعوا نظاراتكم، أحست الحياة فجأة بدأت تبدو كئيبة، قالت في نفسها: إنه الاكتئاب حتماً سمعت عنه من جدتي لأبي، بدأت ترى العشب رمادياً وليس أخضر، والأزهار ورقية وليست حقيقية، والسماء كالحة وليست زرقاء، عادت لتحدث نفسها، اكتئاب!! أكيد إنه الاكتئاب!!.
بدأت تفرك عيونها، لكنني في الحقيقة لست متضايقة إلى الدرجة التي يفترض بي أن أكونها، بل أحس بأن الأمور عادية، هزت رأسها، نفضت عنها تلك الأفكار ونظرت إلى أعلى الجبل، شاهدت صديقاتها العنزات، وبدأت الأفكار والتساؤلات تدور في رأسها، لماذا كل نظاراتنا وردية؟... لماذا نضع جميعاً نظارات؟ لماذا تفرض علينا النظارات منذ الولادة؟ أنا أرى دون نظارة،.... لكن الألوان مختلفة،... أين الألوان يا ترى؟ وما دور الطبيب في قصة النظارات؟ ...لم لا يضع هو نظارة؟