مطبات: خطط محفورة

مطبات: خطط محفورة

لم أسافر كثيراً لظروف مختلفة، لم أشاهد مدناً أبعد من وطني، حتى أنني ككل السوريين لم أزر بعض المدن السورية، لكنني أقرأ وأرى وأسمع، أتحاور مع آخرين، وأرى صور وكالات الأنباء، وأشاهد برامج وثائقية، عن مشاريع عادية وعملاقة، عن مدن تبنى من جديد، ومدن تهدمها الزلازل، وتخربها الحروب، وألتقي بسوريين عائدين من دول العالم.. أستنتج حسب رأي ياسر العظمة مما سمعت وقرأت وشاهدت أننا استثناء لحالة العالم، وأن مدينتي على الأقل تعيش في حلقة متكررة، الدوران نفسه، والمشهد نفسه، والغريب دقة الموعد نفسه.

 

 

لا أشك بأن لدى الجهات التي تحفر شوارعنا، وتنفذ المشاريع حججاً تسوقها، من ميزانية، وأرباع الموازنة، وتوفر السيولة، والوقت الذي تأخذه المشاريع في الدراسة والتخطيط، والإقرار.

ستقول الحكومة إن في برنامجها الذي يمتد لخمس سنوات جديدة آلاف المليارات التي ستذهب إلى البنى التحتية، والانتقال بنا إلى حكومة الكترونية تسهل علينا الدوران، وتؤمن لنا حاجاتنا بسرعة الأنترنت، وكذلك ستعتني بدخلنا ورواتبنا ومعيشتنا، وتنتقل بنا إلى أفضل اقتصاد متوسطي في الخمس سنوات الموعودة.

في عودة إلى مدينتي المحفورة.. من ساعة خروجي من البيت حتى وصولي إلى المكان الذي أقصده، مروراً بما بينهما من قرى متناثرة، ومدن صغيرة، بالكاد أستطيع أن أعبر دون مشروع ينفذ، على جانب الطريق، في وسطه، وللرصيف يد تداعبه. قد يقول لي البعض هذا يسرّ ولا يغضب، هذا يعني أن البلد تعيش حراكاً إيجابياً، وعملاً متواصلاً، وإن من الظلم بمكان النظر إلى هذه الجهود على أنها مجرد عبث، فقط لأجل مشهد جميل، ومواطن غير قادر على احتمال مشاريع حيوية لمدينته تجد حيويتها، وتنقذها من اختناقاتها.

أليست مشاريع الأنفاق التي تنفذها محافظة دمشق مثل شرايين جديدة لمدينة مصابة باحتشاء مروري، أليس المتحلقان الجنوبي والشمالي مشروعين رائدين ساعدا المدينة في التخلص من سيارات الشحن، والسيارات الكبيرة، وخففا الضغط عن قلبها المحتقن بالهباب والسيارات؟ ألم تساعد مشاريع توسعة الساحات العامة على زيادة مساحة الدوران والالتفاف للسيارات التي كانت تتجمع للبحث عن مسرب يقود إلى شارع بوابته على الساحة، وأعطت جمالاً أخاذاً لقلب المدينة، ورسمها مهندسونا بما يوافق ثقافتنا، وتاريخنا؟؟

للإجابة على كل هذه الأسئلة لا يمكنك إلا أن تضع كلمة (نعم) أمامها جميعاً، وأن تثني على كل الجهود التي قدمها الدارسون والمشرفون والمنفذون، وأن تقف صاغراً أمام كل قطرة عرق تساقطت من جباه كل هؤلاء، وتنحني لما أنجزوا.. لكن في المقابل من يجيب الناس ويجيبني على أسئلة من حقنا أن نطرحها، فما يُنفذ هو من جيوبنا التي تدفع الضرائب لتعود علينا مشاريع وخدمات، ساحات واسعة، أوتسترادات، أنفاق، جسور، وهذا بدوره يعطينا الحق في سؤال كل من عملوا أين يضعون ما ندفع، وكيف يضعونه.

لماذا حتى الآن، وبعد مرور سنوات لم ينته العمل في مشروع المتحلق الجنوبي، لماذا أخذت ساحة الأمويين والعباسيين كل هذا الوقت لإنجازهما، لماذا أعيدت الدراسة أكثر من مرة، لماذا حصلت أخطاء في أهم وأجمل عقدة نفذتها محافظة دمشق (عقدة الشام) وفي أحد جسورها.

في ريف دمشق تتأخر المشاريع، ومدد التنفيذ يتم تجاوزها، وبعضها مما يسمى حيوياً ينفذ بشكل سيئ، كمشاريع المياه والصرف الصحي.. والمدينة من ريفها إلى قلبها المتحضر محفورة ومغبرة. 

 ولكي نسوق دليلاً حكومياً.. يقول الخبر: (حذر وزير الإدارة المحلية الدكتور تامر الحجة رؤساء مجالس المدن والبلديات من إعداد كشوف وهمية، وطالبهم بتقديم تقارير دورية شهرية حتى نهاية العام الحالي لبيان نسب التنفيذ، مشيراً إلى أن الإجراءات القانونية ستتخذ بحق المقصرين في حال عدم تنفيذ الخطط المقررة).. وقد سبق هذا التحذير تحذيرات بالعشرات لوزراء سابقين.. ولكن العلة ماتزال قائمة.. فأين تكمن المشكلة يا ترى؟؟؟