في تراجع الحركة الثقافية السورية
يبدو أن الحراك المتصاعد على المستويين السياسي والشعبي الذي تشهده البلاد منذ ما يزيد على سبعة الأشهر، هذا الحراك الذي لم تشهد سورية مثيلا له منذ عقود طوال، انعكس بطريقة أو بأخرى على الحراك والنشاطات الثقافية في سورية، حيث تراجع الحراك الثقافي بشكل كبير منذ بداية الأزمة السورية، وأمسى جميع السوريين عرافين وعرافات ومنجمين ومنجمات.حتى المثقفون السوريون انشغلوا بالتحليل والتوقعات، وانخرطوا في الحراك السياسي عبر لعب أدوار سياسية لا تتناسب ومكانتهم الثقافية أبداً، وغابوا بشكل واضح عن الساحة الثقافية ما أدى إلى إيجاد هوة كبيرة بين النخب وبقية السوريين؛ أسقطت بالشارع السوري في حالة من اللاوعي، وكان أحد أهم أسبابها غياب المثقف العضوي الساعي إلى بناء رؤية موضوعيةللحراك الشعبي ولدور القوى السياسية، وبث هذه الرؤية بين مكونات وطبقات الشارع السوري على اختلافها، لإعادة الاتزان إلى الصورة السياسية السورية عبر الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري لهذه البلاد
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الأصوات المطالبة بانخراط المثقفين السوريين في العمل السياسي لضبط حالة التخبط التي تعيشها البلاد، اندفع المثقفون نحو العمل السياسي تاركين الساحة الثقافية خواءً في حين تلزم الأزمة السورية المثقفين بلعب الدور الأكبر من خلال منابرهم الثقافية دون إغفال ضرورة مشاركتهم السياسية ولكن ليس على حساب دورهم التثقيفي الذييضع الحراك الشعبي في الإطار الوطني ويبعده عن الارتماء في أحضان الغرب، ويلزم القوى السياسية المعارضة والموالية بالأجندة الوطنية، وهو ما يحفظ وحدة سورية واستقرارها.
وللأسف فإن المؤسسات الثقافية السورية أو الموجودة على الأراضي السورية قد لعبت دوراً سلبياً من خلال إلغائها للكثير من نشاطاتها أو تأجيلها في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع السوري لهذه النشاطات لتخفيف الضغط الناجم عن الأزمة السورية، حيث ألغت دار الأوبرا السورية - على سبيل المثال لا الحصر - فعاليات ثقافية كثيرة وأجلت أنشطة ثقافية وفنية كانتمقررة، بسبب الأزمة، واقتصر المشهد الثقافي على فعاليات محلية الطابع بالإضافة إلى أخرى من دول عربية أو آسيوية، كما حصل في ملتقى «مساحات شرقية» الموسيقي الذي أقيم مؤخرا في دمشق واستضاف فنانين وباحثين معظمهم من دول عربية، وشهدت دمشق أيضاً إغلاق المعهد الثقافي الألماني «غوته» أبوابه، وتوقف بعض نشاطات المعهد الدانماركي فيدمشق.
إن للحراك الثقافي دوراً أساسياً في بناء الدولة الديمقراطية العلمانية التي يصبو إليها الكثيرون من أبناء المجتمع السوري، ولذلك يجب ألا يغيب أو يُغيب هذا الحراك لمصلحة الحراك السياسي والشعبي، فهو الحاضنة الحقيقية للمجتمع والقاعدة التي سيبني عليها المجتمع السوري دولته على أسس ديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات التي يتساوى جميع مواطنيها، كمايجب على المثقفين السوريين أن يلعبوا دورهم الحقيقي ولا يضيعوا في سراديب العمل السياسي على حساب دورهم ومكانتهم الثقافية.