أمراض سوريّة
كان المجتمع السوري قد تحول إلى مجتمع استهلاكي حتى على صعيد الفكرة، ولم يعد ينتج أفكاره الخاصة والجديدة، بل اكتفى بما يصدر إليه من هنا وهناك، وهو ما أدى إلى نمو وانتشار أمراض اجتماعية بسبب الاختلاف الثقافي الكبير، ولعل الأزمة التي تمر بها البلاد كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فانفجرت كل الأمراض علناً، ودون مواربة أو تورية.
أخطر هذه الأمراض هو العنف الذي تصاعد أخيراً بين أبناء المجتمع السوري، بما يمثل من انعدام الإحساس بالآخر ولا بشراكة الحياة.
وطفت المشكلة الطائفية على السطح، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت بها لتتبوأ صدارة المشهد فإنها تسجل تراجعاً كبيراً في فكرة المواطنة، وبسببها تعلو صيحات إلى المطالبة بالحماية الدولية.
يبدو أن المجتمع السوري الذي لم يستطع، خلال عقود منذ الاستقلال، أن ينتقل نحو الحياة المدنية أو يبني مواطنة حقيقية، يمضي في الاتجاه المعاكس، بدلاً من العمل على استدراك ما فاته يندفع، قسم كبير منه، في حالة من اللاوعي، نحو التعصب إلى طائفة أو مذهب أو عرق أو ... إلخ، وهو ما يمثل خطراً جدياً ومباشراً على بنية المجتمع.
إن اللاءات الثلاث: «لا للتدخل الخارجي، لا للعنف، لا للطائفية» تمثل صمام الأمان للبلاد في ظل موجة من العنف والعنف المضاد التي تضع سورية أمام منعطف تاريخي استثنائي، وفي مواجهة الدعوات الخارجية للتدخل الأجنبي في سورية ما سيكرر المأساة الليبية في حال وقوعه، وتقف هذه اللاءات حاجزاً في وجه «الطائفية» التي تروج لها بعض الجهات لضرب وحدة سورية واستقرارها. إن حملة التحريض الواسعة والأجواء المشحونة التي تعيشها البلاد تفرض على المثقفين السوريين إعلاء صوت العقل ولعب دور محوري في هذه الأزمة، والدفع نحو سلمية التحركات الشعبية، ورفض أية محاولات للعسكرة واستخدام السلاح، وهو ما يُلزم المعارضة السورية توحيد كلمتها وصفوفها، لإسكات الأصوات النشاز التي بدأت تحرض السوريين ضد بعضهم، وتدعو إلى العنف وحمل السلاح، ما سيدخل البلاد في دوامة من الدماء يصعب الخروج منها.