من يعلّم من ..؟
نور حسن نور حسن

من يعلّم من ..؟

استفاقت كالعادة، على صوت المنبه الذي جعلته يصدح صباحا بصوت فيروز، لعله يحقن ذاتها التّائهة بشيء من الأمل في سبيل إبقائها تنبض بدافعٍ للحياة

تبدأ صباحها بإعداد الفطور لزوجها وطفليها اللذين باتا قادريَن على ارتداء ثيابهما المدرسية دون مساعدة، بعد أن أنفقت عقداً من عمرها في سبيل ذلك, ثم تُودِعهما لاحقاً أمام باب مدرستهما بقبلتين وتمضي هي الأخرى إلى مدرستها، لتلقّن طلاب الثانوية دروساً في الفلسفة.

اليوم, يتأفف الطلاب هنا وهناك، فقد اتفقت معهم قبل يومين على المذاكرة وحان موعدها، يتهامسون لبعضهم البعض بـ«مؤامرةٍ طلابية صغيرة» في محاولة لتأجيل المذاكرة بدوافع طلابية غريزية.. مردها إلى التتأفف الدائم من كل ما هو مدرسي حسب اعتقادها.

لا تنجح محاولاتهم ويقدمون المذاكرة، وتفضح الأوراق نتائجهم المتدنية وتتفاجأ بعلاماتهم.. وعندما تصل نسبة النجاح المتدّنية إلى المدير، يقتحم الصف أثناء درسها فجأة  بينما كانت تلقي درسها المعتاد,  قاطباً حاجبيه شاهراً غضبه  على الطلّاب مؤكداً: إنّ هذا لا يحدث في مدرسة هو مديرها.

غالباً ما يتكرر هذا السيناريو الممل بشكلٍ شبه يومي في حال حصول أتفه أنواع المشاكل وعادة ما ينتهي بانتقاء بعض الطلاب ليكونوا كبش الفداء و عبرة لمن يعتبر.

يشير المديربإصبعه إلى أحد الطلاب، فيبدأ التأفف من كونه الضحية الأولى..وعندما يُسأل عن سبب تدني علامته يجيب ببساطة أنّه لم يدرس..!! فيسأل مجدداً عن السبب الذي منعه من الدراسة؟؟ ويجيب بأنّه لا يملك كتاباً لأن والده فضّل أرغفة الخبز على كتبه المدرسية مكرراً جملة والده: «مين بدو يدرس والناس عم تموت ..!!»

ويضيف الطالب:« يا أستاذ، والله العظيم أبوي ما عم يلحق شو بدنا نعمل، لأنّو- بعيد الشر عنك - بيتنا إنضرب» ....

يتدارك «الأستاذ» ضعف موقفه ويسمح له بالعودة إلى مقعده على «ألّا يتكرر ذلك مجدداً».

ويستمر المشهد مع طالب ثان وثالث..وكالعادة، محاضرة بالأخلاق و الدراسة وقيمتها وبأنّه (أي المدير) كان يدرس مع بني جيله في الأرياف و المدارس الطينية والظروف الاقتصادية السيئة وينتهي النقاش بخروج المدير ملطخاً بهزيمة خالية من الندم أو أية رغبة بالاعتذار.

أما هي فتستعيد نفسها، تنهي دروسها، على وجهٍ من السرعة، يتبعها بعض الطلّاب، يناقشونها بما جرى، يسرد كل منهم حكاية عن أوضاعه المعيشية   والعائلية و و..ويعلن بعضهم استياءه، وغضبه، تنطلق غريزتهم الطلابية إلى التأفف .... تناقشهم بهدوء رغم أنها تدرك في قرارة نفسها أنهم على حق وإنها هي من يتوجب عليها أن تتعلم منهم فن الأمل والرغبة بالاستمرار.