الفيس بوكيون.. هل هم حقاً شعراء؟!
كان التواصل الإنساني الواقعي على الدوام، الرحم الذي يلد الشعراء على مستوى التاريخ العربي، قبل تدخل العالم الافتراضي المسمى «الانترنت» بشكل مباشر في صياغة الأفق الأدبي العربي الحديث، وقبل أن يتحول إلى مساحة لتبادل المعرفة والثقافة، ولاحقاً النتاج الأدبي، والشعر تحديداً، بعد أن كانت النوادي الثقافية والأدبية والمنتديات هي من تصقل خبرة الشاعر وتمنحه الاستمرارية في الفضاء الأدبي.
وشكل دخول الانترنت وتحوله لمعطى ثقافي جديد، ومساحة للنشر المجاني لعدد من شعراء هذا الفضاء، متناسين روحية الشعر المتجسدة في إلقائه بعد أن أوهمهم الكثيرون أنهم شعراء، وأصبح المتشاعرون على صدر صفحات الفيس بوك ومواقع التواصل الالكترونية، بعد أن اكتظ بياض الشعر بحبرهم الالكتروني الأسود، بعد تغذية عقدة الوهم من قبل الكثيرين بدافع المجاملة والتودد من خلال عبارات الإطراء والمجاملة، ومن خلال إبداء الإعجاب والتعليق على ما يكتبونه .
والغريب في الأمر أن عدد المستشعرين على صفحات الفيس بوك يفوق بكثير عدد القراء، ولا سبيل لوقف هذا السيل الهادر من المستشعرين إلا باستحداث هيئة أو محكمة مستقلة للتمييز بين الشاعر أو الآخر المصاب بأوهام الشعر، بعد أن خلقت المواقع الالكترونية وخصوصاً الفيس بوك صراع حقيقياً بين الإبداع والتكنولوجيا، وحولت التكنولوجيا من مسعف حقيقي للمبدع كي تسهل عليه مشاق كثيرة، إلى حالة غير منضبطة ولا تملك أي من معايير تميز الغث من السمين، وما يمكن أن يقدمه المبدع كشاعر حقيقي، وساهمت في انتشار الأعمال الهزيلة التي تفتقر للإبداع كأحد أهم مقومات الشعر.
ولم يخطر في أذهان شعراء الفيس بوك والمواقع الالكترونية أن القارئ للمواقع الالكترونية سريع الملل، ولا يعول كثيراً على الفرز، فهو قارئ الصدفة وما يشغل ذهنه هو المحادثة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الحد من التباعد الجغرافي لا يغفر بث كل ما تجود به قرائح المستشعرين، والأعمال الساذجة التي نجدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن في الختام لا نستطيع أن ننكر بأن بعض الشعراء قد وجدوا في هذا الفضاء الإلكتروني منبراً للوصول إلى محبيهم، وهو ما نقل الشعراء نحو أفق جديد في التعاطي مع حالاتهم الشعرية، ومنحهم القدرة على اختبار قصائدهم في هذا الفضاء واستقصاء ردود الأفعال على تجاربهم الشعرية، قبل إصدارها إلى القراء.