بربّوغاندا
رحمة الله عليكِ يا أم كلثوم. بحظّي كان الحق معك لمّا قلت: فإذا الدنيا كما نعرفها.
(قالت مدام ليلى ما سبق، ثم أكملت وبلهجتها الساحلية تلك، التي يحبها خليل. لكننا مرغمون هنا على تفصيحها قليلاً):
سبحان الله. على الرغم من أن الأحداث عندنا، شاغلة كل الناس: الكبير والصغير والمقمط بالسرير. ترانا أخذنا الحديث إلى «الثابت والمتحول»..
وأين؟
تتساءل ليلى لتجيب نفسها:
في طبع الإنسان!
ثم تختم متعجّبة:
أنا والله كل فكري، أنه ما في ثابت ومتحول، إلاّ بالشعر وعند أدونيس خصّ نصّ.. تاريه المضروب، موجود بالاقتصاد وبالسياسة وبالفلسفة وحتى في طبع البني آدم بالذات!
***
كان أعلاه، رأي مدام ليلى، أثناء احتدام الجدال، بخصوص المحنة التي حلّت بوطننا سورية. جدال سرعان ما تحول لنقاش وحوار هادئ. عمّن يتحمل مسؤولية تصاعد المشاكل والإرهاب وتفاقم الاقتتال، بين أبناء الشعب الواحد. وعمّا ستؤول إليه الأمور، بعد لجوء جزء من المعارضة، إلى تشكيل ما يدعى بـ «المجلس الوطني» وما سيترتب عليه، من ردات فعل، داخلياً وخارجياً ولدى الأطراف كافة.
بعد أن تحسّن طقس النقاش، تناول المتناقشون في حديثهم، الركود.. بل شبه التوقف التام. للمصالح والأعمال والأشغال في البلد ـ اللهم عدا ما لا غنى للناس عنه ممّا يتعلق بالأكل والشرب وكيف أن معظم الناس صار دأبهم الحرص على ما في جيوبهم وما بين أيديهم من مال. تحسّباً ممّا يحمل لهم المستقبل المجهول. الذي يبدو أن بلدنا ذاهب إليه (جَمَلاً بمن وما حمل).
(يعقّب المتحدث) أقول معظم الناس. لأنها، كما يقول المثل «إن خليت خربت». فلازال يوجد بيننا من يحتكم للضمير. ويحترم المال بقدر ما يحترم الأخير إنسانيته وإنسانية الآخرين.
***
عندما تطرق الحديث للمال. قال أحد المشاركين، في معرض إثباته، أن الشرفاء من أصحاب الضمائر الحية والعقول المتنورة وفاعلي الخير هم أحد فصائل الثابت، من (الكرام قليل) الموجودين في كل زمان ومكان. وما المتحول فيهم، سوى عددهم وأسلوب عملهم ليس إلاّ.
وضرب – أي المتحدث - مثلاً حياً على ما يقول، كاتباً معروفاً من منطقة صافيتا، قرية «بيت طيّون» يقوم الآن بتمويل ورعاية مشروع ثقافي خيري، كلّفه لتاريخه قرابة مليون ونصف المليون ليرة سورية.
المشروع بمختصر العبارة، يتابع: هو مركز ثقافي مؤلف من غرفتين كبيرتين (صالونين) مع ما يلزمهما من أثاث ومنتفعات. أشادهما الرجل على مساحة اقتطعها من فسحة داره. يحتوي المركز على 3500 عنوان، يستطيع من يريد ووقتما يريد أن يدخل.. يستريح .. ويقرأ الكتاب الذي يختار ويشرب ما يفضّل من مشروب (شاي.. قهوة.. زهورات.. ومتة) كما يقدم صاحب الدار / المركز، دعوة مفتوحة، لكل من يريد زيارته، في بيته ومركزه.
***
عند هذا الحدّ من الجدال/ الحوار/ الحديث. الذي جرى بين بعض موظفي وموظفات وزارة الثقافة وزائريهم في مقر «مجلة المعرفة» في دمشق 13/10/2011 يرشف الأستاذ خليل آخر رشفة من فنجانه مختتماً الجلسة بقوله: أعدكم أن أكتب في إحدى الجرائد عن صاحب الملتقى الثقافي الذي ذكرتموه، وسأذكر منطقته وقريته بل واسمه (غانم أبو حمود) إذا وافقت الجريدة.
تعلّق ليلى:
وهكذا يا صديقي تكون قد عملت دعاية مجانية أو «بربوغاندا» كما كان يحلو للشيوعيين عندنا أن يقولوها بلغة (الرفاق السوفييت)؟
(فردّ خليل بكل اعتداد واعتزاز بنفسه ودعايته وبمن يدعو له):
نعم يا صديقتي. سأعمل له بربوغاندا حقيقية.. مقصودة. وسأعتبرها، مدفوعة الأجر سلفاً أيضاً!