الموهبة في عبقرية المبدع
يقتضي الإبداع الفني لدى الفنان مواهب تتنوع تبعاً لطبيعة الأداء، وليست الموهبة سوى هبة الفن بوجه عام
والعمل الفني يجعل في متناول العين والأذن ما هو صادر عن روح وتصورات المبدع، كما ينبغي على الفنان ألا يبارح أبداً دائرة خياله وحساسيته التي يعتمد عليها لتحقيق عمله الفني.
وأشير هنا إلى دور الموهبة وعلاقتها بالعبقرية القومية، فقد اشتهر الإغريق بأشعارهم الملحمية، وعرفو كيفية تطويرها لتحافظ على عظمتها، كما تميزوا بكمال نحتهم، بينما لم يمتلك الرومان فناً خاصاً بهم بل جلبو الفن الاغريقي، واستزرعوه في أرضهم.
وما يزال اليونانيون المعاصرون شعباً من المطربين والشعراء، فما يقع اليوم من أحداث ومغامرات، أو عمليات ثأرية مما خلفه العثمانيون من دمار فكري ومعنوي واقتصادي عندما احتلوا اليونان يتحول إلى ألحان وذريعة للغناء، ولا يندر أن تنظم وتروج الأغاني حتى قبل بدء المعركة وقطف ثمار النصر.
هذا إن دل على شيء إنما يدل على رابطة بين الفن وإنتاجه من جهة، وبين عبقرية الشعب القومية من جهة أخرى.
أما الطليان فهم مرتجلو شعر وأداء، يملكون موهبة خارقة في الارتجال، وحتى يومنا هذا ما يزال بمقدور أبسطهم ارتجال تمثيلية من مشهدين، ليس فيها من سبق التحضير أي شيء، بل تتبع كاملاً معرفة الأهواء والأوضاع البشرية والإلهام الآني العميق، لكن كائناً ما كان الفن، فهو يتطلب دراسات مطولة واجتهادات دؤوبة ومهارات في التنفيذ، وكلما كانت الموهبة أغنى وأكبر، تضاءلت الجهود التي يجب بذلها للحصول على تلك التسهيلات التي يقتضيها إنتاج أي عمل فني.
بشار الدهان : مخرج سينمائي