بين قوسين: توثيق الذاكرة السورية
يعمل مازن يوسف صباغ منذ سنوات بصمت على مشروع مهم يتعلّق بتوثيق الذاكرة السياسية السورية. قد يبدو هذا العمل أرشيفياً صرفاً، لكنه يضيء محطات ووقائع مجهولة بالنسبة لجيل اليوم عن كيفية نشأة الدولة السورية، ودساتيرها المتلاحقة، وبرلماناتها. في هذه اللحظة السورية المضطربة نحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه الوثائق لمعرفة تاريخ هذه الجغرافيا التي لطالما كانت عرضة للأطماع الخارجية.
يقيناً أن معظم السوريين لم يقرأ دستور بلاده كي يعرف حقوقه وواجباته. صحيح أن قانون الطوارئ أوقف العجلة طويلاً، وأبعد المسافة بين طموحات السوريين بدولة مدنية، كما كانوا يحلمون لحظة استقلال البلاد في عشرينيات القرن المنصرم، لكن هذا لا يمنع من معرفة تفاصيل ضرورية عن ذاكرة البلاد. في هذا السياق استل مازن صباغ مجموعة من الوثائق النادرة من خزائن الأرشيف السوري وقام بتحريرها، كان أولها «سجل الحكومات والوزارات السورية:1918-2010»، ثم «سجل الدستور السوري»، و«المؤتمر السوري- برلمان الاستقلال». في كتابه الأخير هذا يتوقف عند لحظة مفصلية تتعلق بقرار استقلال سورية من نير الحكم العثماني (1918)، وتتويج فيصل بن الحسين ملكاً على البلاد، وانطلاق أول برلمان عربي في المنطقة بمشاركة شخصيات من بلاد الشام (سورية ولبنان وفلسطين والأردن). عاش هذا البرلمان سنة واحدة، قبل أن تطيحه المؤامرات الدولية، ففيما كان السوريون يحتفلون باستقلالهم، كانت دول الحلفاء تضع اللمسات الأخيرة على اتفاقيات توزيع الغنائم «سايكس بيكو»، وقبلها «وعد بلفور». هكذا وجد السوريون أنفسهم حيال قيد آخر، هو الانتداب الفرنسي، لكن هذا القيد لم يمنعهم من تأسيس دستور جديد للبلاد. في هذا الدستور الذي يعود إلى نحو قرن مضى، نكتشف توق السوريين إلى حياة مدنية تضاهي حياة أرقى شعوب العالم ، إذ جاء في بيان المؤتمر السوري في اجتماعه الأول بأن: «أمتنا السورية تتأهب لحياة استقلالية جديدة لتحقيق أمانيها الحقة، وقد ارتأت وضع قانون جديد للمملكة السورية تتخذه دستوراً ليكون سلاحاً مدنياً تتقي به الأمة صدمات السياسة الاستعمارية، وليكون برهاناً جلياً لدى العالم المتمدن على أن السوري على جانب لا يستهان به من الرقي من غير أن يحتاج إلى وصي أو ولي يقبض على زمام أموره».