ربما ..! هل الحياة منام؟
رائد وحش رائد وحش

ربما ..! هل الحياة منام؟

تشكّل علاقة الفنّ والحلم علاقةً عضويةً، فالفنّ، منذ الأزل وحتّى اللّحظة، لم يكن إلا حلماً.. وكأن الفنانين لم يكونوا سوى نيامٍ يكتبون ويرسمون ويعزفون.. دائماً كان الفنّ يؤكد ويثبت بانبثاقه من الرّغبات العميقة والتوق إلى الأفضل والأجمل، أنه الابن الشرعيّ للحلم.

المنامات تختلف طبعاً.. فلا أحد ينام كأحد، ولا أحد يحلم كأحد، ولا أحد (يتكُوْبَس) كأحد أيضاً..

 

المنامات -أحلاماً وكوابيس على حدّ سواء- هي نصوص بكلّ ما تعنيه الكلمة، والعكس بالعكس صحيح أيضاً، حتى وكأنّ الفنّ، كتابةً أو رسماً أو سينما.. مصنوعٌ من مادة الأحلام، تلكم المادة التي اعتبرها شكسبير مادة خلقنا كبشر!!

وفي البحث عن أبرز من تعاطوا الأحلام ملهماً أو خلفيةً للتجربة سيأتي الأرجنتيني بورخيس في رأس القائمة، فهو ظل يكتب محاصراً على الدوام بأقنوميْ: المتاهة والمرآة... وهما علامتا الكتابة الحلميّة بامتياز. فصاحب كتاب "الألف" كان يؤمن بأن الأحلام خزّان الذاكرة، وقد عدّها طريقاً للوصول إلى ذاكرة المعاني..

الحلم كان حاضراً حضوراً مركزيّاً لدى محمود درويش في مختلف أعماله، خصوصاً في نصّه المذهل "ذاكرة للنّسيان" الذي يفتتحه بحوارٍ غريبٍ بين رجل وامرأةٍ هاذيَين أكثر منهما متحاورَين.. يقول: «من المنام يخرج منام آخر، هل هو تفسير المنام؟؟». قبل هذا يلعب درويش لعبةً «خبيثة» في عنونة الكتاب: «ذاكرة للنسيان.. الزمان: بيروت... المكان: يوم من أيام آب 1982»، فبهذه (الشقلبة) العجيبة لأدوار الزمان والمكان إشارةٌ دامغةٌ إلى أنّ الكتابة النثرية هنا تستلهم آليات الحلم نفسها، وقارئ النص يشعر أنّه يخوض في غمار منام – كابوس يمتد على صفحات الكتاب وأيام الحصار.. "هل يحدث ذلك كثيراً: أن يوقظني من المنام منام آخر.. هو تفسير المنام؟" يقول الرجل الهاذي للمرأة الهاذية!!

في السينما تحضر الأحلام حضوراً قوياً ففيدريكو فيلليني، صانع الأفلام الإيطاليّ، وضع نفسه في خدمة أحلامه، حتى أنّ فيلمه «½ 8» ليس سوى منام يتداخل فيه الحلم بالكابوس تداخلاً معقداً وغريباً بغاية تصوير أزمة الفنان في شيخوخته الإبداعية. وأفلام إمير كوستاريستا ليست سوى حفر في الحلم، فمن ينسى مشاهد السرنمة للصبي الصغير في فيلم "أبي في رحلة عمل"؟؟ أو طيران سرير العاشقين في "الحياة معجزة"؟؟ كذلك الأمر مع "الختم السابع" حيث يلعب البطل الشطرنج مع عزرائيل، أو "ساعة الذئب" حيث يصبح الفنان المهووس بالأشباح شبحاً!!

الحلم في السينما يأخذ أبلغ الأشكال في السينما لأنّ الصورة تسمح بتقديم ما يشبه وثيقةً بصرية عمّا يجول في الرؤوس. لكن العمل السينمائي المخصص للأحلام بشكل مباشر وصريح كان لإمبراطور السينما اليابانية أكيرا كيروساوا المعروف باسم "أحلام" أو "أحلام كيروساوا" كما شاء كثيرون أن يسموه. يقوم الفيلم على ثمانية مقاطع لا علاقة حقيقة بينها سوى أنها أحلام (منامات أو كوابيس) لصاحبها الذي يطرح في عمله هذا مجموعة من أعقد الأسئلة التي واجهتها السينما في العالم. رجلٌ يتجوّل في لوحات فان كوخ.. قرويون يرقصون فرحاً في الجنازة شكراً للميّت على حياته..

وإذا ما جئنا إلى عالم التشكيل سنجد أن السّيرياليين قد وقعوا على كنوز عظمى، خصوصاً سلفادور دالي..

لنتذكّر تلك الحكاية الصينية القديمة التي تقول: «كان ياما كان، حلمتُ ذات مرة، أنا تشونج زو، أنني فراشة تحلق هنا وهناك، وترفرف بجناحيها ثم تحلق هنا وهناك، ثم استيقظتُ فجأة من نومي، وإلى الآن لا أعرف هل كنت إنساناً يحلم بأنه فراشة، أم أنني فراشة تحلم الآن بأنها إنسان».. ولنسأل: هل حياتنا حياة أم منام؟؟