في الذكرى التاسعة والعشرين لرحيله رياض الصالح الحسين وشم في الزمن
رياض الصالح الحسين حالة شعرية سورية فريدة من نوعها، بحسها الإنساني العالي والصادق، وبالإسلوبية الحداثية المبتكرة التي كانت سبّاقة لزمنها وظرفها.
قصيدته مهدت الطريق لنص يقف في وجه الظلم، ببساطة تشبه الحرية، وتحاكي تعقيداتها، من خلال الومضة السريعة الواضحة للتفاصيل اليومية القريبة من الموت والمحتفية بالحياة، والرافضة للعبودية.
اختاره الموت سريعاً ولم يكمل بعد ربيعه الثامن والعشرين، جاء هذا الرحيل المفاجئ قبل تسعة وعشرين عاماً. فلم يتسع له الوقت ليعيش ثورة شعبه التي انتظرها طويلاً وهيأ لها الدروب من كل الجهات.
ولد الحسين عام 1954 لأسرة بسيطة، وتنقل بين القرى والمدن بحثاً عن عمل، بعد أن ترك دراسته التي لم يسمح له الصمم والبكم من متابعتها، ليثقف نفسه بنفسه، ولتكون العين هي طريقه الذي تشقه لغة النظر.
تجربته التي وصفت من معظم النقاد على أنها من أكثر التجارب اكتمالاً ونضوجاً، إضافة إلى أنها في طليعة التجارب الشعرية لقصيدة التيار اليومي.
أصدر الحسين ثلاث مجموعات شعرية في حياته هي «خراب الدورة الدموية» 1979، «أساطير يومية» 1980، «بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس» 1982، أما مجموعته «وعل في الغابة» فصدرت بعد وفاته.
كما كتب القصة القصيرة وقصص الأطفال والمقالة الصحفية والنقد الأدبي.
هنا وقفة مع قامة شعرية لا تزال شامخة، بل إن الأحداث اللاحقة تزيد تكريس هذه القصيدة كوشم على جبين الزمن.
سورية
يا سورية الجميلة السعيدة
كمدفأة في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمة بين أسنان كلب
يا سورية القاسية
كمشرط في يد جرَّاح
نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك
أبدًا سنقودك إلى الينابيع
أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
ودموعك بشفاهنا اليابسة
أبدًا سنشقّ أمامك الدروب
ولن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء.
***
الحريَّة
لا فائدة من الصراخ
ما دام الصوت لا يخرج من زنزانة الفم
لا فائدة من البكاء
ما دامت المناديل لا تكفي لتجفيف الدموع
لا فائدة من الطريق
ما دامت الأقدام مدجَّجة بالسلاسل
لا فائدة من الثياب
ما دام الجسد مملوءًا بالسكاكين
لا فائدة من الحبّ
ما دامت القبلة جريمة قانونيَّة
لا فائدة من الرغيف
ما دام القلب سيظلُّ جائعًا
لا فائدة منِّي
ما دمت سأموت دون رغبة
و ثمَّة فائدة لكلِّ هؤلاء
عندما نمضغ عنب الحريَّة!.
العدالة
العدالة هي أن أركض مع حبيبتي
في أزقّة العالم
دون أن يسألني الحرّاس عن رقم هاتفي
أو هويّتي الضائعة
العدالة هي أن ألقي بنفسي في البحر الشاسع
وأنا واثق بأن أحدًا لن يمسكني من أذني
ويقودني – مرّة ثانية إلى القبر
بدعوى أن الانتحار لا تقرّه الشرائع
والقوانين
العدالة هي أن آكل رغيفي بهدوء
أن أذهب إلى السينما بهدوء
أن أغني بهدوء
أن أقبّل حبيبتي بهدوء و أموت بلا ضجة.
***
الحب
الحب ليس غرفة للإيجار
نتركها ببساطة ونرحل
مخلفين الصور القديمة والغبار
أعقاب السجائر
الحب ليس أغنية جميلة
نتعلمها بغتة، وننساها بغتة
كما ننسى، عندما نكبر،
الطفولة واللعب وحليب الأمهات
الحب ليس حبة أسبرين
نتناولها عندما نشعر بالصداع
وليس نكتة خفيفة
نتداولها في أوقات الضجر
الحب ليس وردة للزينة
ولا كأسا مكسورة لسلّة المهملات
الحب..
شهادة ولادة دائمة
نحملها برأس مرفوع
لنخترق شارع المذبحة.
***
اعتياد
اعددت لكِ فنجان القهوة
فنجان قهوة ساخنة
القهوة بردت
وما جئتِ
وضعت وردة في كأس ماء
وردة حمراء حمراء
الوردة ذبلت
وما أتيتِ
كل يوم أفتح النافذة
فأرى الأوراق تتساقط
والمطر ينهمر
والطيور تئن
ولا أراك
لقد اعتدتُ
أن أعدّ القهوة كل صباح لاثنين
أن أضع وردة حمراء في كأس ماء
أن أفتح النوافذ للريح و المطر والشمس
لقد اعتدت
أن أنتظرك أيتها الثورة..
■■