بيت الدمى..

بيت الدمى..

هكذا بدت البيوت والأبنية بعد أن هوت أسقفها وحيطانها المطلة على الشارع بعد الانفجار: كمجرد بيتٍ للدمى ..وفي البيت دميةٌ صغيرةٌ لرجلٍ يحاول يائساً إعادة ترتيب أثاث غرفة الجلوس، ونفض التراب وقطع الأسمنت المتناثرة عن الأريكة الحمراء،

 ينشغل الرجل في عمله متناسياً أن لا حائط في غرفة جلوسه، وأن لا منزل له بعد الآن. ربما يكون ألقى نظرةً على الأفق الأسود من حوله، ربما يكون حاول جاهداً تذكر ملامح حارته، وأماكن تموضع الشوارع والأبنية والمحال كما كانت في الأمس قبل أن يغمض عينيه ويستسلم للنوم ...الرجل يكمل تنظيف غرفته دون أن يدرك كم هو عارٍ ومكشوف أمام عدسات الكاميرا وعيون المتجمهرين ..تماماً كلعبة تحركها يدا طفلٍ في منزل دون جدران ..

يتحول الحي بأكمله إلى لعبة أطفال، مزيجٌ من الصلصال وآلاف أقلام التلوين السوداء، وهياكل عظمية معجونة لسيارات وحافلات. تتوزع الدمى في المساحة السوداء بإتقانٍ شديد: ضحايا وقتلى على الأرض أو داخل السيارات، منقذون يتحركون هنا وهناك، شهود عيان يصرخون، مراقبون دوليون بقبعات زرقاء، كاميرات ومصووين، يبدون من بعيد كما لو أنهم مجرد كائنات صغيرة صنعت من الخشب، مجرد دمىً مذعورة وسط ركام لا منتهٍ. 

متى تحولنا إلى دمىً ؟

هذا هو السؤال الذي شغل تفكيري بعد الانفجار، ربما لأن الانفجارات تحديداً وخلافاً لكل أشكال العنف الأخرى تحولك إلى ضحية غير مقصودة، أو مجرد نتيجة أو ضرر إضافي، فأنت قد لا تكون عدواً بذاتك، وربما لست مستهدفاً بشكلٍ خاص، إلا أن حظك العاثر دفع بك لتكون في الزمان والمكان غير المناسبين، وبذلك تخسر حقك حتى بأن تقتل دفاعاً عن مبادئك، أو أن تقتل كخصمٍ.

يمكن لجسدك أن يتحول أشلاءً لمجرد إثبات وجهة نظر، ويمكن لكاميرا التلفاز أن تغوص عميقاً في نخاع عظامك المتفحم لتكون أنت المثال التوضيحي لفظاعة ما حصل، ربما ينشغل الجميع عنك بمعرفة من قام بالتفجير أو من تبناه كما لو أنه لا يكفي أنك كنت ضحية غير مقصودة في المقام الأول ليصبح القاتل مرة أخرى أكثر أهميةً منك.

لايهم كم كنت بعيداً عن مكان الانفجار... فأنت ضحية للانفجار...لكنك مازلت على قيد الحياة، والخوف ما هو إلا انعكاس كل ذلك الموت فيك....

للخوف خيوطٌ غير مرئية تتحرك يميناً أو يساراً، تشد أو ترخي،  تلتف حول الجسد، تكبله وتمنعه من القيام بأفعالٍ كانت اعتياديةً كركوب الباص أو الذهاب إلى العمل أو المشي في الشارع. وعندما ينشغل المرء بترتيب مخاوفه لا يعود يقوى على التفكير، فكيف على الفعل... يتحول من صوت إلى صدى، تتلاشى من حوله حدود المدن والشوارع والأبنية، تضيع معاني الأفكار والكلمات، يعود الشخص للبحث من جديد عن ذاك الكهف الذي اختبأ فيه منذ ملايين السنين. أو كما لو أنه لم يخرج منه أصلاً.