بين قوسين : في معرض الألقاب
يعيش السوري اليوم في متاهة غابة الألقاب، يفتش عن هويته، وموطئ قدميه، بعد أن بات خبراً عاجلاً على الشاشات. العروبة التي رضع حليبها باكراً أدارت له ظهرها في وضح النهار، وبدا الأمر كأنه خطأ في الحساب، وماعليه إلا أن يصحح قيد نفوسه على ضوء مستجدات صاعقة خلخلت نظرته إلى الخريطة. عدا لقب «معارض»، هناك ألقاب أخرى متوفرة على البسطة مثل: موالٍ، وشبيح، وليبرالي، وإسلامي، وصامت، ومتواطئ، ومتخاذل، ورمادي. لوحة سوريالية يصعب تفكيك رموزها بسهولة في حمّى النزال
لا يحتاج أي لقب من هذه الألقاب إلى جهد كبير في الحصول عليه، فالمسألة لدى كثير من هؤلاء «حالة لفظية» لا تحملها أية رافعة ملموسة واقعياً، في رهانات محمومة على الكعكة المشتهاة. فالكائن السوري يعيش عطشاً طويلاً للتعبير عن ذاته، وها هي الفرصة أتت أخيراً للانخراط في موجة الربيع العربي بأقل الأثمان. يكفي أن تكتب عبارة هنا وعبارة هناك على موقع «فيس بوك» لتأكيد هويتك الافتراضية، ثم تخرج من الشاشة مثل ديك منفوش الريش إلى شأن حياتي آخر لا يتطلب منك أية أعباء ثورية، وربما بممارسات مضادة تماماً للحبر المهدور على الشاشة.
بالطبع هناك أفراد وتيارات خارج هذا التوصيف، وقد دفعوا ثمن مواقفهم بالتأكيد، لكن الأغلبية من راكبي الموجة على الطرفين. لا أحد من هؤلاء لديه الرغبة الحقيقية في معرفة ما وراء الأكمة، في لعبة التزلج على الجليد هذه. لن ننساق إلى مصطلح «المؤامرة» لكننا نريد معرفة ماذا ينتظرنا حقاً في الساعة الرابعة والعشرين؟ صحيح إن عقارب الساعة لا تدور إلى الوراء، ولكننا أيضاً لسنا سعيدين بساعة معطّلة، زجاجها مغبّش، ومرآتها مكسورة، ومواعيدها غامضة. بلادنا تتدحرج إلى الهاوية، فيما يعلو الهتاف بكل ماهو متناقض. شعارات مكتوبة على عجل ببلاغة تتراوح بين القاموس الشعبوي، والرومانسية الثورية.
لنتذكر، ولو لبرهة، بأن الحروب الطاحنة تتطلع في نهاية المطاف، والخنادق، والجثث، والجرحى، والمقابر، إلى التفاوض على من هو رابح، ومن هو خاسر. ما نراه هنا هو خطاب آخر مشحون بالضغائن والتحدي ولعبة كسر العظم، في نفق طويل لا تنيره شمعة صغيرة في نهايته.