احذروا « النيم باز » وأخواتها

احذروا « النيم باز » وأخواتها

منذ فترة ليست بالقريبة أرشدني صديق لي إلى برنامج «ماسنجر» خاص بالموبايل يدعى «النيم باز»، ومن منطلق عدم نكران الجميل، أشيد بما كان لهذا البرنامج من فضل في النواحي الاقتصادية في بدايات استخدامي له، أو عندما كنت أستخدمه بالشكل السوي الصحيح، وكنت أستغرب من عدم محاربة شركات الخلوي لهذا البرنامج فقد كنت أقضي ما يقارب الساعة من الزمن، وأنا أستخدمه بتكلفة لا تكاد تتجاوز قيمتها قيمة مكالمة مدتها دقيقة واحدة في الهاتف الخلوي، لكن لم تمض فترة وجيزة من الزمن حتى زال كل استغراب، وتجلت الأمور واضحة حين أدركت حقيقة أن النفس أمارة بالسوء، ولا سيما حين تكون داخل بيت دعارة عذراً للتعبير لكني لم أجد وصفاً أفضل لشيء يعج بغرف الجنس، وتفوح منه رائحة النزوة كهذا البرنامج.

 

هنا لا أريد أن يؤخذ من كلامي بأن جميع الغرف هي غرف لا أخلاقية، فهناك الكثير من الغرف التي تحمل عناوين راقية، وتنطوي على مضامين نبيلة، ولكن لا يفصلها عن الغرف أنفة الذكر سوى جدران وهمية لا تحجب حتى النظر، وهنا نعود إلى النفس البشرية، وما تنطوي عليه من فضول وحب للاستطلاع، ورغبة لكل ما هو ممنوع إضافة إلى عامل الكبت الذي يجعلنا نتصيد الفرصة المناسبة للتنفيس عن نوازع أنفسنا. وهنا يكمن خطر هذه الغرف التي تقدم لروادها حيزاً من السرية تجعلهم يفعلون ما يشاؤون في هذا العالم الافتراضي دون أن يخشوا عواقب أفعالهم فهم عبارة عن أرقام في واقع رقمي لا مسؤولية تطالهم، ولا رقيب يهابونه حتى الرقيب الأخلاقي، فهم لا يقومون عملياً بأي عمل ينافي الأخلاق لكنهم يعيشونه بمخيلتهم عن طريق التحريض الكلامي أو الصوري للخيال البشري، لكن مع الزمن يتحول الخيال إلى فكرة جاهزة للتطبيق، وهنا يتحول الافتراضي إلى حقيقي والرقمي إلى مادي، وذلك من منطلق أن أي عمل مهما كنت تهابه حين تقدم على القيام به أكثر من مرة يصبح شيئاً اعتيادياً. لذا قد يكفي أن تدخل إلى إحدى هذه الغرف مرة واحدة، ومن دون قصد حتى تعيدها مراراً وتكراراً عامداً متعمداً، وننتقل هنا إلى العامل النفسي الثاني؛ ألا وهو طلب المزيد، وعدم الاكتفاء فما كان يشبع الرغبات سابقاً يصبح مع الوقت بحاجة إلى نقلة جديدة للأمام، وهنا نقطع شوطاً كبيراً في مرحلة التحول من الخيال إلى الواقع، فربما كنا نهاب أن نتجاوز خطوتين مرة واحدة، أما بخطوة وراء خطوة نستطيع أن ننجز أعتى الأعمال غير متغافلين عن سياسة الخصوصية التي ينتهجها الجوال وملازمته لنا أينما ذهبنا، وبالتالي فهناك دوماً وقت مناسب أو مكان مناسب لنمارس به الدردشة بسرية تامة، وهذا ما يساهم بالانحدار السريع إلى الهاوية، فما يتم في الخفاء يستفحل من دون أن يخضع لعلاج أو تصحيح لعدم الدراية به، وهنا وجب أن أشير ولو بلمحة لما يحدث داخل هذه الغرف حيث هي لا تفرق عن غيرها من الغرف الدردشة سوى بنوعية الكلام المعرى من أي حياء تسودها أحاديث قد لا يُنطق بمثلها حتى على فراش الزوجية في الليالي الحمراء ثم يتصاعد الحديث ليصبح ممارسة للجنس (الكتابي) بحرفية عالية على الطريقة الهوليودية.

 وعلى الرغم من خطورة كل ما ذكر سابقاً، فذلك ليس سوى وجه واحد لما يساهم به هذا البرنامج من انحلال أخلاقي في المجتمع.

   فلا يخفى على أحد أسلوب الكذب، أو التورية إذا أردنا تلطيف الأمر قليلاً, فنادراً ما تُرى معلومات صحيحة أو حقيقية لأي مستخدم، وذلك لشعور مسبق بإمكانية الممارسة الخاطئة لهذه التقنية، وما ينتج عنها من تمادي في التأليف والتحريف، ولعل جل ما يؤلم هو ذلك الأسلوب المبتكر للتسول الذي ينتهجه الكثيرون من المستخدمين عن طريق طلب رصيد من الوحدات لمتابعة الحديث أو مقابل بعض الصور الإباحية الشخصية، وغالباً ما تكون من الفتيات أو الذكور المنتحلين شخصيات أنثوية. بذريعة أنه لم يعدّ لديهم رصيد نتيجة لما يتطلبه هذا الإدمان من إمكانات مادية، وما يحتاجه من مصاريف تنفق كلها في سبيل إشباع الغرائز الدنيوية، وتلك أولى الخطوات لنيل شهادة بنات الهوى بامتياز فاليوم يقدمن صور أجسادهن مقابل رصيد من الوحدات، وغداً يقدمن أجسادهم مقابل بعض النقود، وبالتالي يصبح لدينا أرشيف غني بالكذب والميول المنحرفة، وهذا ما يؤدي بشكل أو بأخر إلى انتهاج منحى ملتو دخيل على ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا يقودنا بخطا ثابتة نحو التفسخ الأخلاقي، ونحو ثقافة استهلاكية تنمو يوماً بعد يوم لتصبح جزءاً من المستقبل المرسوم لشعوبنا الفتية.

فأي غدٍ ينتظرنا وأي حلم عربي تكلمنا عنه أنا لا أتحدث عن نظرية المؤامرة بل عن الطموح المنحط للشباب العربي الذين استطاعوا أن يستحوذوا على مساحة خالية من الفضاء الالكتروني ليشيدوا عليه قصور الدعارة وبساتين الشهوة، ويقطفوا ثمار الخطيئة؟ هل هذا ذنب جيناتنا الوراثية التي مازالت تختزن كماً غنياً بمضامين الحرية نحن أحفاد أولئك الأبطال الذين قدموا أرواحهم لينالوا تحررهم من الاستعمار نقدم أجسادنا اليوم لننال تحررنا من الأخلاق؟ أم ذنب حكوماتنا المتعاقبة التي عودتنا أن نعمل سراً في الظلام، وأفرغتنا من الحياة الاجتماعية والسياسية لتبقي لنا الحياة الجنسية طريقاً معبداً لا حواجز تفتيش تؤرق سالكيه؟؟

 

آخر تعديل على الجمعة, 11 نيسان/أبريل 2014 18:43