زعماء ورؤساء
على مدى مائة عام كان للفلسطينيين زعماء.
منذ سنوات فقط صار لديهم رؤساء.
الزعامة تكتسب بالتدريج. فالزعيم لا ينتخب، وإنما يفرض نفسه من خلال الصراع. مواهبه وقدراته هي التي تفرض زعامته. عرفات لم ينتخب. وحتى حين انتخب بعد أوسلو فقد كان الأمر تحصيل حاصل. كان مزحة بالنسبة له. الحاج أمين الحسيني لم ينتخب. جورج حبش لم ينتخب. كان هؤلاء زعماء أهلتهم تجربتهم لنيل ثقة الناس، وأصبحوا ملهمين لهم.
الزعيم الفلسطيني يحتاج إلى أن يكون ملهما. قدرته على الإلهام هي قدرته على التواصل مع شعبه، وقدرته على جمعهم وراءه. وليس لديه سوى القوة المعنوية لكي يجمع شعبه وراءه.
الزعيم غير الرئيس. الرئيس يستند إلى سلطة ما. قوة السلطة هي سنده الرئيسي. هذا لا ينفع عند الفلسطينيين، الشعب المشتت والموزع والخاضع للاحتلال لا تسيره رئاسة. ينفع هذا في مصر، وفي تونس، وفي غيرها، لكنه لا ينفع هنا. الفلسطينيون يختارون زعماءهم اختيارا حرا، لا عبر صناديق الاقتراع. صناديق الاقتراع قد تصنع رئيسا لسلطة في الضفة الغربية فقط، لكنها لا تصنع زعيما.
في السنوات الأخيرة لم يعد عندنا زعماء. صار عندنا رؤساء: رئيس سلطة، رئيس وزراء. الزعماء ماتوا. هم في القبور الآن. أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد، جورج حبش. كلهم ماتوا. ولم يولد زعماء آخرون ليحلوا محلهم. نحن بلا زعماء. ليس لدينا أي واحد منهم.
لدينا رؤساء فقط. والرؤساء ليسوا بحاجة إلى إلهام أحد. فهم يستطيعون أن يصدروا قرارات.
والحال، أن القرارات لا تستطيع بث الحماس في أرواح الفلسطينيين.